* هذه مقالة علمية، كتبها الباحث الأمريكي هاري ودييك Harry .E. Wedeek باللغة الإنجليزية في حولية (1) The Aryan Path المتخصصة في الدراسات الشرقية عدد: April1947، وموضوعها عن الشخصيات غير المسلمة التي اخترقت -بدوافع مختلقة- الطّريق إلى مكّة المكرمة في حقبة ماضية، وقد وجدتها ضمن ما صوّرته عن مكتبة "جون ريلاندز" (2) في مدينة مانشيستر البريطانية، حيث كنتُ أدرسُ في جامعتها بين 1982- 1986م، ولأنّ موضوع الرحالة ممّا تهتمّ به كثير من المؤسسات العلمية، وفي مقدمتها دارة الملك عبدالعزيز-رحمه الله- لذا وددتُ أن أقوم بإعطاء فكرة شاملة عن هذه المقالة مع بعض التعليقات الضروريّة التي يقتضيها السّياق.
** يقول الباحث ودييك: "لقد أغرت مكّة المكرمة العديدين بالسفر إليها، كما هو الحال في مدينة القدس، التي تحتضن المسجد الأقصى، وتأتي قداسة مكة من ارتباطها باسم (النبي) محمّد -صلى الله عليه وسلم-، ولقد أغرى المسافرين لزيارة مكة ما قام به الخليفة عمر بن الخطاب من جعلها مدينة خاصة بالمسلمين وحدهم، أي أنها محرّمة على المسيحيين واليهود -أو بمعنى أدق غير المسلمين- ويشير الباحث إلى أن مَن يريد زيارة مكة المكرمة عليه أن يسلك البوابة الشرقية من مدينة جدة، والتي بدورها تقود إلى مكة المكرمة، وقد بدأت محاولات الرحّالة غير المسلمين من القرن السادس عشر الميلادي حتى أيامنا هذه، في إشارة إلى منتصف القرن العشرين، وذلك اعتمادًا على تاريخ نشر المقالة وهو عام 1947م.
** تتشعب -في رأي الباحث- دوافع مَن أطلق عليهم لقب "المغامرين" Adventurers لزيارة مكة، ويضرب مثلاً ببعض هؤلاء المغامرين، ومنهم السير ريتشارد بيرتون Sir Richard Burton 1853، والذي عبّر عن تلك الدوافع في قصيدة كتبها بعنوان "حاج عبده اليزدي: Haji Abdu El Yezdi، وقد عكست هذه القصيدة بعض مشاعر بيرتون وتعاطفه مع الدين الإسلامي، والبعض الآخر -برأي الباحث- أن الدافع وراء رحلاتهم كان البحث عن المعلومات، ومنهم دواتي Doughty، وكذلك ارمنيوس فامبري، Arminius Vambery، وهو هنغاري من جذور يهودية، وكانت الملكة البريطانية فيكتوريا قد كرّمته، وقد تنكر في رحلته بزي (درويش)، وكان باعث (فامبري) -حسب رأي الباحث- هو لغويًّا بالدرجة الأولى؛ حيث كان يُعدُّ عالم لغة، ولهذا كُرّم من قِبل القصر الملكي البريطاني.
** ومن أول الأسماء التي تلوح في الذهن من بين أولئك الذين سعوا لاختراق الأراضي الإسلامية المقدسة هو الرحالة الإيطالي "لودوفيكو فارتنيما" 1503م Ludovico Debartema Vartnema، وقد ولد هذا السائح الإيطالي في Bologna، وعرفت عنه نزعته الرومانسية التي تتجاوز الإقليمية إلى العالمية، ولعل هذه السمة التي دفعته للمغامرة، فسافر بداية إلى الاسكندرية في نهاية عام 1502م، ويعتبر "ودييك" أن هذه الرحلة كانت عاملاً هامًا في اصطباغ حياته بضروب من التنوع المثير، فشملت رحلته البحر الأحمر، والخليج العربي، ثم المحيط الهندي، كما أن الأماكن ذات الوقع الموسيقي في أسمائها جذبته إليها، وذلك مثل سمرقند، وطرابلس، وإنطاكية، ودمشق
** في هذه المدن، أو الأماكن جمع "فارتنيما" معلومات عديدة عن الناس هناك وعاداتهم، ولابد أن تحركاته أثارت شكوكًا عند البعض ممّا أدّى إلى القبض عليه وسجنه، واتهامه بأنّه جاسوس مسيحي، وبعد خروجه من السجن أضحى شريكًا في بعض الأعمال التجارية مع شخص فارسي في شيراز، ثم توجه إلى مدينة "لشبونة" Lisbon.
** وكانت مغامرة "فارتنيما" الكبرى هي سفره إلى مكة، وهو يعتبر -حسب رأي الباحث ودييك- أول أوروبي يدخل مكّة المكرمة؛ حيث أبحر من الإسكندرية إلى بيروت، ثم إلى دمشق، وأضحى من مرافقي ركب الحج المملوكي، وفي شهور الربيع من عام 1503م أتمّ رحلته إلى مكّة والمدينة، ويحدّد ودييك وصول فارتنيما إلى المدينة بتاريخ 18 مايو 1503م.
** كانت رحلة "فارتنيما" بالنسبة إليه محفوفة بالمخاطر؛ حيث اصطدم مع بعض القبائل البدوية التي تسكن الصحارى، إضافة إلى عوامل الطبيعة مثل الرياح والعواصف، وقد نجا من الموت مرات عدة، وأيضًا وهو خارج لتوّه من السجن بسبب ما نُسب إليه من أعمال تدخل في دائرة التجسّس، مشيرًا إلى أنه خرج من السجن بمساعدة امرأة عربيّة، وكانت روايات "فارتنيما" عن الناس والمدن التي دخلها مصبوغة بصبغة شخصية إن لم تكن خيالية، كما يتجلّى هذا في وصفه لشوارع مكّة وسكّانها وعاداتهم، كما كانت اللّغة التي استخدمها في وصف فريضة الحج أبعد ما تكون عن الواقع، وأقرب إلى المستحيل.
المراجع
makkawi.com
التصانيف
مكة المكرمة الرحلات الى مكة العلوم التطبيقية