العملية العدوانية التي قامت بها قوات الاحتلال الصهيوني في اريحا واعتقال احمد سعدات وآخرين لها جانب آخر يتجاوز فكرة العدوان والاجرام والتواطؤ الاميركي البريطاني، فمثل هذه العمليات التي تقوم بها اسرائيل هي اعادة احتلال لمناطق قيل انها أصبحت تحت حكم السلطة، ورسالة متكررة تقول ان خروج اسرائيل لما تراه مصلحة لها وليس رغبة في السلام.
لكن الحقيقة الاهم ان ما جرى ويجري يعيد تذكير من يحاولون نسيان ان الواقع الفلسطيني الحالي هو صناعة اتفاقات أوسلو، وأن كل الهيئات والحكومة والمجلس التشريعي ليست أكثر من عمليات تزيين لهذا الاتفاق، وان وجود هذه المؤسسات الشكلية، ليس اكثر من محاولة لصناعة سلطة وهمية لدى فئات تبحث عن مخارج لتبرير الواقع الموجود.
رسالة الاحتلال ليست فقط في حرصه على اعتقال سعدات ومن معه، بل هي للسلطة على أعتاب مرحلة الانتقال الى حماس، أن ما هو موجود من هيئات وحكومة ووزراء ونواب وأكثرية وأقلية محكوم بقرار أمني اسرائيلي، وان الجميع يقفون عاجزين الا عن التنديد، وبدلا من ان يدين الاجرام الصهيوني احمد قريع فليكن اسماعيل هنية فالمحصلة واحدة. القرار للدبابة والجرافة وجيش العملاء المتناثرين خدمة لجيش الاحتلال، فكل مؤسسات السلطة وقواها لم تستطع حماية احمد سعدات في سجن السلطة وتحت قيادتها.
حادثة أريحا تعيدنا الى قضية هامة أغمض البعض عيونه عنها وهي ان اوسلو لم تمت، فكل الواقع هو أوسلو سواء كان استمرار العدوان والقتل، ام التنسيق الميداني مع الاحتلال في قضايا الخدمات والذي تعلن الحكومة القادمة التزامها به، أم القوانين التي جاءت بالسلطة وهيئاتها. وان كثرة اللغط الداخلي والدولي حول من يقود السلطة ليس اكثر من عبث، فالسلطة تتوقف عندما تقرر اسرائيل ان تستعيد دور جيشها القاتل، ورجال الامن الفلسطيني وهم عنوان السلطة يخرجون بلا ملابس، ولا ذنب لهم، فالذنب عند من صدّق ان اطلاق شكليات الدول على سلطة وهمية يخفي الحقيقة.
اليهود الصهاينة ليسوا اغبياء، ولا يوجد في موازين القوى ما يجبرهم على التنازل، لكننا نحن من نعظم الصغائر، فالمجلس التشريعي الجديد او القديم لا يملك القدرة على الاجتماع في مكان واحد، والتواصل يتم عبر القمر الصناعي والاتصالات، ورئيس المجلس لا يعرف الاعضاء في غزة لان امكانية اللقاء محكومة بقرار من جيش الاحتلال بالسماح لرئيس السلطة التشريعية او اعضائها بالانتقال من رام الله الى غزة وبالعكس.
امر يبعث على الآسى ان نرى مبالغة من البعض لمظاهر هي افراز لاتفاق ارادته اسرائيل، ليس طريقا لدولة حقيقية. لكن البعض ينسى حقيقة قوة السلطة ويفترض انه رئيس وزراء تغريه كثافة الميكروفونات والفضائيات والحرس الشخصي. مع ان كل هؤلاء ينسون نموذجا رسمه "ياسر عرفات" رحمه الله قبل موته حين عجزت كل السلطة التي سوق لها ان تخرجه من مقره فعاش سجينا سنوات رغم أنه يحمل لقب رئيس السلطة وقائد حزب الاكثرية، وعندما احتاج للعلاج في الخارج، لم يستطع الا بعد وساطات عربية ودولية للسماح له بذلك، لكن البعض يعتقد انه جاء باختراع جديد، وان المجلس، الذي كان في عهد عرفات، مختلف عما هو موجود، وان سلطة رئيس الوزراء في عهد حماس حقيقية بينما في عهد احمد قريع عكس ذلك.
سياسة اسرائيل تعيد للبعض ذاكرة يحاول نسيانها تجرد اصحاب الوهم ليس من الملابس، بل من الحكمة المفترضة في فهم الامور، فاسرائيل لم تحسب حسابا لحماس لان رئيس المجلس التشريعي منها يعين موظفين ويفصل اخرين، او لأن وزير الاتصالات او التموين سيكون من حماس، بل لأن منها قادة اتقنوا صناعة الموت والاستشهاد، ولم تستقبل العواصم قادة حماس لأنهم اذكياء او عباقرة في السياسة، بل لأن المقاومة صنعت لهم حضوراً. لكن الاستغراق في الوهم وشكليات السلطة يصنع واقعا مأساويا، فليس مهما من يدين عدوان اريحا ابومازن او الزهار او اسماعيل هنية بل المهم، من يرد على هذا العدوان!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة