البنات قادمات

 

لم يقنعني وزير التربية بتعليله حصول مدرسة ذكور واحدة على المركز الأخير ضمن عشرين مدرسة حكومية متفوقة دراسياً في الثانوية العامة لهذا العام. الوزير أرجع السبب إلى نقصان المعلمين المتميزين، الذين تركوا مدارسهم وسافروا للعمل في الخارج. لم يقنعني لأن هذا سبب واحد من حزمة أسباب متداخلة ومتواشجة ومتراكبة.

فمنذ ظهور النتائج بتفوقها الأنثوي الواضح، في غالب التخصصات، حاولت أن أبحث عن سبب هذه الظاهرة وجوهرها، والتي نشترك فيها مع غالبية البلاد العربية وربما العالمية، وقد يكون التركيب النفسي للشاب في هذه السن تحديداً، والحرص والانتظام الدراسي والاهتمام المركز لدى البنات هو ما يفضي لهذه النتيجة الكاسحة، وليس السبب أن ذكاء الإناث أكبر من ذكاء الذكور.

في الثانوية العامة كانت أمي تستحث هممي الراكدة والمتكاسلة والمتباطئة، بأن أغار من بنات الجيران، اللواتي لا يفارق الكتاب أياديهن، وكانت العبارة الحارقة التي تقصفني بها كلما عدت متسللاًً من لمة أصدقائي:(ولك إللي ما بيغار حمار)، وكنت أغار أحياناً، فأشعل مصباحاً على سطح بيتنا، وأقرأ ذهابا وإياباً، حتى منتصف الليل، وعندما علمت أن بعض البنات لا ينمن ولا يغمضن جفناً ما دمت ساهراً غيرة من مثابرتي الكبيرة واجتهادي المفاجئ، كنت أنام تاركا المصباح يسهر وحده انتقاماً منهن.

وهنا أود أن أشكر كل الأمهات اللواتي هن السبب الحقيقي لكل نجاح لنا، بنيناً وبنات، فلا أنسى معاناة أمي في تلك السنة التوجيعية (التوجيهي)، وكيف كانت تسهر لسهري، وتضجر لضجري، وتتعب لتعبي إذا ما (عصلجت) في يدي مسألة رياضيات بنت كلب، أو غصصت بسؤال فيزياء مجنون ابن مجنون. وأعرف أمهات كن يجلسن ولا ينزلن أنظارهن عن المدرسة التي يقدم فيها الأبناء امتحاناتهم، والدمعة عالقة في حرف في العين، والدعاء يرجرج الشفتين: فشكراً أيتها الأمهات الرائعات.

وبعد أن أبارك للبنات المتفوقات، أعود لتدني تحصيل الذكور في الثانوية متمنياً على الجهات المختصة، أن تدرس هذه الظاهرة المقلقة، والتي ستسبب ارباكات مستقبلية لا تخفى على أحد، وأن تقدم لنا أسبابها مع توصيات علاجية. أما أنتم أيها الشباب العتاويت، فاسهروا مع مصابيحكم ولا تناموا، فالبنات قادمات. وهذه دعوة أن تلغى الكوتا النسائية في البرلمان الأردني، ما دامت المرأة قادرة على تحقيق نتائج باهرة.

 

بقلم رمزي الغزوي


المراجع

addustour.com

التصانيف

صحافة   رمزي الغزوي   جريدة الدستور   العلوم الاجتماعية