تتجمع الكثير من المؤشرات والأحداث والتطورات السياسية الإقليمية والداخلية (الإسرائيلية) لتجعل من الانتخابات الإسرائيلية، بعد أيام قليلة، بداية لمرحلة جديدة فارقة وخطيرة في تاريخ القضية الفلسطينية أولا، ودول الجوار العربي ثانيا.
ويخطئ من يظن أن هذه الانتخابات، كسابقتها، لا تمثل شيئا جديدا في المنطق السياسي الذي يحكم إسرائيل، كما يخطئ من يتعجل في اعتبار أن انتصار حماس هو مقدمة لتصالح بين يمينين فلسطيني وإسرائيلي مستندا إلى تصريح هنا أو إشارة هناك.
خطورة هذه الانتخابات تأتي أولا من سياقها الإسرائيلي- الداخلي، وإذا كانت استطلاعات الرأي تشير إلى انتصار نسبي متوقع لحزب كاديما، فإن تداعيات الانتخابات، لا يمكن حصرها في هوية الحزب الفائز، على أهمية ذلك، بقدر ما يجب الانتباه إلى الحالة السياسية الإسرائيلية بأسرها اليوم وبؤرة المناظرات القائمة حاليا هناك، وتشير، جميعها، إلى أن إسرائيل تتجاوز الفلسطينيين تماما في تقرير طبيعة المرحلة السياسية القادمة، ليس على صعيد التنظير الاستراتيجي فقط، بل وفي بناء واقع جديد يفرض على الفلسطينيين.
مشروع كاديما أصبح يمثل الخيار الاستراتيجي الرئيسي لإسرائيل، ويلقى قبولا لدى مختلف ألوان الطيف السياسي، مع اختلافات جزئية بسيطة، ويقوم هذا الخيار على المضي قدما في ترسيم حدود إسرائيل النهائية مع الفلسطينيين، وإتمام بناء الجدار العازل، وتحديد الأراضي التي تدخل ضمن الحدود الإسرائيلية، بما يضمن وجود محيط استراتيجي داخلي يحقق الشروط الأمنية، فيما ستتخلى إسرائيل عن الكتل البشرية الفلسطينية لأي حل محتمل لدولة فلسطينية، غير قابلة للحياة الحقيقية. ويمثل قيام إسرائيل بضم غور وادي الأردن خطوة على طريق هذا الحل النهائي.
من جهة أخرى، استغلت إسرائيل انتصار حماس في الانتخابات الفلسطينية، لتتخذ منه ذريعة في تأكيد ادعائها بغياب "الشريك الفلسطيني". والغريب أن العالم الغربي والحكومات العربية لا يزال يطالب "حماس" بالالتزام بالعملية السلمية دون أن نفهم ماذا تبقى من هذه العملية سوى "سلطة" لم تعد تحمل من السلطة إلا مصاريف باهظة وقضايا فساد وصراعات داخلية، وقوى أمنية لا تعطي أي مقومات حقيقية لدور أمني في التعامل مع القضايا الداخلية. فالحالة الفلسطينية تسير نحو المرحلة الأسوأ في تاريخها، ويتحول المجتمع الفلسطيني إلى جزر جغرافية محاصرة ومكتظة بالسكان، تعتمد في جزء كبير من اقتصادها على المساعدات الخارجية، وعلى المدى البعيد ستكون "بيئة طاردة" تدفع إلى الهجرة الاختيارية بحثا عن شروط أفضل للحياة.
هذا السيناريو تحدث عن صيغة قريبة منه هنري كيسنجر في مقاله حول ملامح السلام القادم بين حماس وإسرائيل، وطرح فيه قضية المقايضة: أن تستبدل المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية بعرب الـ48، لحل المشكلة الديمغرافية والأمنية الإسرائيلية في آن معا.
الأردن، بدوره، يمثل طرفا مباشرا معنيا بالتطورات الراهنة، وبمخرجات الانتخابات الإسرائيلية، وإذا كان هناك من يحاجج بأن اتفاقية وادي عربة قد كفلت الحد من تهديد إسرائلي للأردن وأي محاولات "تهجير" للفلسطينيين، فإن الحل الأحادي الجانب وما سينتج عنه من تدهور الوضع الفلسطيني قد يؤدي بتداعيات عملية خطيرة، بخاصة أن الجدار العازل سيقلل من الكلفة الأمنية الإسرائيلية من العمليات الفلسطيبنية، وسيغير من قواعد الصراع إذ سترد إسرائيل بقوة وعنف على أية محاولات فلسطينية، بمعنى أن محصلة خيار الفلسطينيين بالعودة إلى الكفاح المسلح ستكون أضعف من السابق، وهو ما يمثل دافعا آخرا للفلسطينيين للبحث عن فرص حياة أفضل في الخارج.
ما هو أخطر من ذلك أنّ طروحات سياسية فلسطينية ظهرت مؤخرا تسير باتجاه تأزم الوضع الفلسطيني، وأبرز هذه الطروحات ما يتردد من أطراف في حركة فتح تطالب بحل السلطة الفلسطينية بدعوى وضع العرب والمجتمع الدولي أمام مسؤولياتهم، وانهيار السلطة، بالتأكيد، سيكون له في الظروف الحالية آثار خطيرة على الأردن.
والمفارقة الغريبة، أن هنالك دعوات بدأت تتردد بالعودة عن قرار فك الارتباط، وهو ما يصب, في هذه الظروف التاريخية ومع تدهور مفاوضات السلام، في صالح إسرائيل، ويدفع باتجاه أن يكون الأردن هو الدولة الفلسطينية عمليا، إن لم يكن رسميا، التي سيصبح مركزها في الأردن وبعض الملحقات بها في الضفة الغربية.
الموقف الرسمي الأردني واضح تماما، وأكدت عليه تصريحات الملك الأخيرة لوكالة الأنباء الفرنسية، بأن قرار فك الارتباط هو لصالح الفلسطينيين، وان العودة عنه غير واردة قبل أن يمتلك الشعب الفلسطيني دولته الحقيقية المستقرة المستقلة القابلة للحياة. لكن بقي أن يتبع الموقف الرسمي مواقف شعبية وسياسية وورشات سياسية وفكرية أردنية تقرأ جيدا تطورات الوضع الفلسطيني وتداعياته ومجالات الحركة الأردنية والعربية القادمة لدعم الفلسطينيين من جهة، ولمنع دفع الأردن ثمن المرحلة القادمة من جهة أخرى.
m.aburumnan@alghad.jo
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة تصنيف محمد ابو رمان جريدة الغد