القضايا التي تظهر بين الحين والآخر في جامعاتنا من مشكلات و(هوشات) وعنف لم تعد قضايا إدارية كما يحب البعض أن يتعامل معها، والعقوبات أيا كانت قوتها ليست هي الحل، بل ان لجوء بعض الجامعات الى اصدار قائمة سوداء بأسماء الطلبة المشاغبين وتعميمها على الجامعات لمنع قبولهم، كل هذا قد يحل مشكلة جزئية، لكن هؤلاء الطلبة سيخرجون من الجامعات الى المجتمع وتبقى لديهم الثقافة التي ستفرز السلوكيات التي رفضتها جامعاتهم.
وحتى لا نظلم هذه الفئة من الشباب فإن العنف حالة تربوية يتوارثها الأبناء عن الآباء والأجداد، فكثير منا يمارس العنف ونعلمه لمن بعدنا دون أن نشعر، وأي واحد منا يُضايقه سائق آخر اثناء قيادته للسيارة يكون رد فعله شتيمة او صوتا مرتفعا، والأب ينهر ابنه حين يسأله عن امر لا يُعجب الأب، ولهذا لا نمارس الحوار بل استخدام السلطة. والآن يطلب من الأم الطعام بصيغة الأمر القريبة من الصراخ، وحتى في العمل العام فإن التحذير والتهديد والاتهام لغات سائدة، فكيف سيتربى شبابنا على الحوار وسعة الصدر، ومن أين سيأتون بالأفق الواسع لاحتواء الآخر؟
لكن مشكلات الجامعات ليست الظاهرة السلبية الوحيدة، فقطاع الشباب يمارس بعض الظواهر التي تعبر عن مشكلة، ومع الاحترام للحرية الشخصية والحق في اختيار اللباس واللسان والسلوك، فإن بعض فئات شبابنا مستغرق في سلوكيات يصعب معها التمييز بين الفتاة والشاب، او معرفة الهوية الثقافية لهذا الشاب او الفتاة، بذخ يمارسه البعض من أموال وثروات آبائهم لكنه يبني ثقافة غير مناسبة، ينشغل احدهم بموضة الهاتف الخلوي او النظارات الشمسية او (بوز) الحذاء رفيعا او عريضا أكثر من انشغاله بأي شيء يجري حوله.
العلاقة مع المكان وهو الوطن ضعيفة، لكنها اوثق وأقوى مع الأشياء وألوان الملابس والماركة التجارية للبنطلون والجاكيت، وهذه ممارسات يشترك فيها الصبايا والشباب، ظاهرها لا يُعبر عن مشكلة مثل عنف الجامعات، لكن ضررها الحقيقي أكبر من (الطوشات) وعنف الأيدي.
القضايا المرتبطة بالثقافة تحتاج الى علاج جذري، وهذا لدى أصحاب الاختصاص لكن بشرط أن نقتنع أن لدينا مشكلة، فالإحساس بالظاهرة أول خطوات علاجها. لكنني أقترح أن نفكر جميعا بإمكانية إعادة الاعتبار لفكرة خدمة العلم، ربما ليست بصيغتها السابقة، ولكن باتجاه مساهمتها بإعادة الاعتبار لشخصية الشاب الأردني، فماذا يضيرنا لو فكرنا بخدمة علم لشهرين او ثلاثة أشهر فقط يدخل خلالها الشاب الأردني غنيا او فقيراً، متعلما او غير متعلم في تدريب داخل اطار القوات المسلحة، ثم يجري الاستفادة من هذه الفئات من الشباب في أي مجال تنموي مقابل راتب رمزي من (50-80) ديناراً تكفي الشاب مصروفا شخصيا، وربما يتم استثناء حملة الشهادات العليا من ماجستير ودكتوراه او عدم الاستثناء، لكن العبرة في الفكرة التي تجعل الشباب يدخل في أجواء جادة، ويقترب مما لا يقترب منه في حياته العادية، وخلال مدة لا تؤثر على مستقبل وعمل الشاب، فشهران او ثلاثة مدة قصيرة، لكنها قد تساهم في إعادة تأهيل فئات من شبابنا بشرط أن تكون هذه المدة ضمن برنامج مدروس وتخطيط سليم.
هذا الاقتراح ليس مقدسا، لكن جوهره أن نجد صيغة لصقل بعض جوانب الشخصية والثقافة لفئات من شبابنا، وإعادة رسم علاقات حقيقية مع قضايا تتجاوز التسلية والموضات والغرق في الشكليات.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة