منذ مسيرة التسوية عام 1991، بعد العدوان الاميركي على العراق وجولات بيكر ومؤتمر مدريد، كان التشخيص ان كل مخرجات التسوية من اتفاقات وتفاهمات تقوم على ميزان قوى مختل لمصلحة الكيان الصهيوني، أي أننا لسنا امام عملية سلام حقيقية تعيد الحقوق وتوفر العدل حتى بصيغته المنقوصة، التي نصت عليها قرارات الشرعية الدولية.
 وجاء اتفاق اوسلو، وما تبعه من تفاهمات وما افرزه من سلطة فلسطينية، وفق هذا التشخيص, فالأمر ليس سلاما ولا تسوية بل صيغا مشوهة، ودائما هنالك امر يجب أن لا يغيب وهو أن اسرائيل لا تقدم شيئا لله، ولم تكن معنية بسلطة فلسطينية حقيقية او حكم ذاتي محدود، ولعل الوصف الدقيق كان في مذكرة لحركة حماس حين قاطعت الانتخابات عام 2001 التي وصفتها حينها بأنها "انتخابات مجلس الحكم الذاتي الفلسطيني المحدود"، حيث تقول المذكرة الصادرة في شباط 2001: "الانتخابات الفلسطينية تتم في مرحلة لا زال فيها الاحتلال يحتفظ بالسيادة على ارضنا وثرواتنا ومقدساتنا، بل ويهيمن بشكل مباشر على معظم المناطق الفلسطينية.." وكان حكم حماس على الانتخابات متناسبا مع تشخيص الواقع حين قالت: "فإن وجود الانتخابات يضرب بعمق دعاوى نزاهتها وحياديتها"، ويومها اعتبرت حماس الانتخابات "احدى الخطوات التطبيقية لاتفاق اوسلو، حتى وإن اكتسبت طابع الشعبية المزعومة فقد اقتصرت على شعبنا في الضفة والقطاع، وتجاهلت شعبنا في الشتات، وجعلت من ابناء القدس مواطنين اجانب يقترعون عن طريق البريد".
وقدمت ايضا وصفا حقيقيا يتناسب مع طبيعة الكيان الصهيوني بأنّ "هذه الانتخابات لن تغير من مساوئ اتفاق اوسلو، ولن تخفف من أخطاره المحدقة بقضية شعبنا ومصيره. فالمجلس المنتخب سيبقى خاضعا بموجب هذه الاتفاقيات إلى سلطة حكم الاحتلال ومرتهنا لرغباته وشروطه".
واعتبرت حماس في حينه دعوات "السلطة الفلسطينية للمعارضة لكي تشارك في الانتخابات وتغير اتفاق اوسلو او حتى تلغيه هي دعوات مضللة؛ فكيف يتسنى للمعارضة ان تغير اتفاقا جعل الانتخابات وسيلة لتنفيذه لا لتغييره".
لم استدع هذه النصوص التاريخية لمناقشة تغير موقف حماس، فهذا امر يعود لها، فقد كانت ترى أن الانتخابات لن تغير من مساوئ اتفاق اوسلو، وإن المجلس المنتخب سيبقى خاضعا لسلطة الاحتلال ومرتهنا لرغباته، والآن ترى في السلطة شيئا آخر. لكن ما أريده أن لا نحمل السلطة وحكومة حماس اكثر مما تحتمل، وأن لا نتوقع منها أكثر من الصلاحيات الممنوحة لسلطة حكم ذاتي محدود تقوم اسرائيل بانتهاك ارضها والتحكم بكل حدودها وقتما تشاء. اسرائيل ومن خلال تسوية اتفاق اوسلو جاءت بسلطة وهمية تتحكم حتى بإدخال القمح والغذاء لها، كما ان المجتمع الدولي أحكم حلقات ضعف السلطة، إذ يمارس ابتزازا لحكومة حماس بقطع المساعدات عنها اذا لم تعترف بإسرائيل، وحتى القمة العربية فإنها نظريا قدمت دعما ماليا للسلطة، لكنه دعم لا يحقق سوى ثلث المصروفات، لهذا ستبقى حكومة حماس والسلطة محتاجة لدعم العالم المنحاز لشروط اسرائيل.
لن نظلم حكومة حماس ونطالبها بما لا تستطيع. فالحكومة نفسها لا تستطيع الاجتماع بكامل طاقمها؛ فمن هم في غزة بمن فيهم رئيس الوزراء لا يمكنه الذهاب إلى رام الله الا بموافقة جيش الاحتلال، والمجلس التشريعي عنوان الشفافية والديمقراطية لا يستطيع الاجتماع في مدينة واحدة، ويتم اللقاء عبر الاقمار الصناعية في رام الله وغزة. وربما تنقضي سنوات المجلس ولا يلتئم شطراه في مكان واحد، فالانتقال يحتاج إلى اذن من سلطات الاحتلال.
السلطة وحكومتها ومجلسها التشريعي، كما وصفته حماس سابقا، ستبقى مرتهنة لحكم الاحتلال، ولهذا سواء قادتها فتح او حماس فالصلاحيات واحدة، فلا تطلبوا من حماس الكثير، ولا تحملوا حكومتها اكثر من محاولة بناء اداء اداري خال من الفساد وتقديم مسؤولين بعيدين عن الفساد، لكنها ليست حكومة حقيقية، وعلى خصوم حماس ان يكونوا موضوعيين في الحكم عليها فهي تعاني من احتلال غاشم، وناتجة من اتفاق ظالم، وصلاحياتها محدودة على معابرها واقتصادها وأمنها ولا يغير من حقيقتها ان فيها ألقابا لرئيس سلطة ورئيس حكومة ووزراء ورئيس مجلس تشريعي، فكل هذا كما قالت حماس عام 2001 سيبقى مرتهنا لرغبات الاحتلال وشروطه وقمعه.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   سميح المعايطة