توثقت صلة الأردنيين خلال الايام الماضية مع الرياضيات وتحديداً علم الحساب، فأينما تذهب تجد في جلسات الناس استغراقاً في الجمع والطرح والقسمة، واحياناً يصل الامر الى استخدام (الجمع بالحمل) حيث يكون الجواب مثلاً (7) وباليد (1) او (2) وهكذا الكل يجمع ويطرح للوصول الى اجابة: هل نستحق الدعم الحكومي عن رفع اسعار المشتقات النفطية ام لا نستحقه؟
ونجحت الحكومة باقتدار بزيادة ثقافة الحساب من جمع وطرح وقسمة في صفوف الاردنيين، ويمكن القول ان جلسات المواطنين وسهراتهم اشبه ببرنامج المسابقات، فكلنا مشتركون في برنامج مسابقات حقوق اختراعه لنا في الاردن ويمكن تعميمه على الاصدقاء والاشقاء وعنوانه "كيف تربح دعم المحروقات"، والأهم في هذا البرنامج انه حقق هدفاً يسعى له قانون اشهار الذمة المالية، فكل الرجال كشفوا امام زوجاتهم واصدقائهم ارقام رواتبهم الحقيقية، فالبعض كان يتقاضى مثلاً (246) ديناراً راتباً او تقاعداً وكان يقول لزوجته انه يتقاضى (220) ديناراً ويعطي لنفسه حق (بعزقة) المبلغ الباقي، اما الان فالأمر لا يحتمل اي اخفاء معلومات، فكل الأزواج اشهروا ذمتهم المالية امام زوجاتهم.
وفي بعض عمليات الحساب يخسر احدهم الدعم لأن افراد الاسرة اكثر مما يجب بشخص، اي لو كانوا اقل بواحد لوصل الدعم الحكومي، طبعاً الزوج لا يضحي بأبنائه ولهذا قد يأتي وسواس في نفسه يجعله يتمنى ان زوجته في عالم الاخرة، فهذا سيحقق له الدعم، وايضاً يبدل (العتبة)، لكن هذا امر لا يخرج من نفسه، بل ربما نافق لزوجته بأنها لديه اهم من الحكومة والدعم ومنظمة اوبك.
لكن المجالس تحمل وهماً احياناً فكل من يصل في عمليات الجمع والطرح والقسمة إلى أنه يستحق دعم الحكومة يعتقد انه يحصل على الحد الاقصى وهو (25) ديناراً للفرد، لكن الكثيرين سيفاجأون انهم قد يحصلون على الحدود الدنيا او المتوسطة، والكثيرون يصابون بخيبة امل لأن حاصل الجمع والطرح والقسمة يكون لديهم صفر، وهم الذين نالوا في مراحل رفع سابقة للاسعار زيادة على الرواتب ودفعات الخمسين ديناراً، ويتبع هذا الاحباط ابتسامة فأحدهم من اصحاب الرواتب (250) ديناراً، وهو راتب اجمالي ولديه طفل، لا ينال شيئاً ولهذا نسمع من بعض هؤلاء قوله بأنه مقتدر وان الحكومة اعتبرته هو ورئيس الوزراء والوزراء ومدير الضمان في تصنيف واحد، وهو ان خسر الدعم إلا ان هذا تكريم معنوي من الحكومة، ولهذا ففئات عديدة من الموظفين وبخاصة ازواج المعلمات والموظفات هم من المقتدرين، لكن العزاء ان "صيت الغنى ولا صيت الفقر"، والمتقاعد الذي يعيش مع زوجته وراتبه (170) ديناراً مثلاً في نظر الحكومة مقتدر تماماً مثل رئيس مجلس النواب او الاعيان او وزير الخارجية، فالحكم انه لا يستحق دعم الحكومة وان دخله الشهري يكفيه وأنه وقادر على مواجهة ارتفاعات الاسعار.
بعض الأردنيين يعتقد ان الحكومة (دوشت) نفسها بهذه الحسابات والطلبات، لكن اخرين يعتقدون أن الحكومات تقصد إشغال الناس، وان كثرة الجمع والطرح والقسمة هدفها الوصول إلى أدنى قدر من المبالغ التي ستدفعها الحكومة للناس، مع القناعة بأن آلية هذا العام ايجابية في شمولها لفئات خارج اطار موظفي اجهزة الدولة.
حصة الرياضيات الاردنية، التي امتدت في محافظاتنا المختلفة، أعادت الاعتبار لطريقة الحساب التقليدية باستخدام الأصابع، والقسمة الطويلة، والضرب بمنزلتين او ثلاث؛ لكنها وضعت مقياساً اردنياً جديداً وهو أنّ الف دينار دخلا سنويا للفرد في الأسرة معيار للحياة الكريمة، وهذا المقياس قد يكون صالحاً لهذا الموسم وتمرير قرارات الرفع؛ لكنه بالتأكيد ليس دقيقاً لبقية المواسم، فكل الاسعار ترتفع بما فيها (حبة الفلافل) و(سندويش الشاورما) و(قلم الرصاص).
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة