الحوادث التي جرت خلال الفترة الماضية على بعض طرق المملكة أعادت الاهتمام لقضايا حوادث السير، لكنه اهتمام اعتدنا عليه كلما شعرنا بالخطر من تزايد الضحايا، او كلما هزتنا الخسائر من قتلى وجرحى. ثم نعود مرة اخرى الى اسباب تجذرت وتقف وراء هذه المجازر المتكررة من دون أن تجد منا حلولا جذرية، والدليل أنّ خسائرنا من حوادث السير متزايدة رغم كل الأحاديث في المجالس، والمصائب التي تدخل بيوت الأردنيين من الحوادث متزايدة.
المشكلة أنّ البعض يعتقد أنّ حوادث السير تتركز آثارها على من يقتل أو يصاب، لكن المشكلة فيما بعدها. فالعائلات تفقد معيلها ورب أسرتها، او يصاب هذا الأب بشلل، او تذهب الأم ويغيب الحنان، وقد تفقد الاسرة أطفالها زينة الحياة، وحتى لو كانت الإصابات قابلة للشفاء فإنها تعطل الحياة وتربك الناس.
اخر الاقتراحات استهدفت القانون العشائري الذي يتدخل في هذه القضايا، والمطالبة بأن لا تكون "الصلحة" وسيلة لتخفيف العقوبة. لكن المشكلة ليست في قانون العشائر، فأي متضرر من الممكن أن يتنازل عن حقه أمام القضاء المدني، ولعل من المناسب التفكير بما يقترحه البعض من تعديل لقانون العقوبات ليتضمن جريمة القتل بواسطة السيارة، وبخاصة لمن يرتكب الجريمة لإهمال او لامبالاة او اي سلوك يدخل الجريمة في حيز القتل العمد.
بين يدي رسالة من طالبات من الجامعة الهاشمية، والعبرة ليست في الحالة، بل في المضمون. والشكوى تقول "ان بعض السائقين اصبحوا يقومون بالقيادة حسب اللحن الموجود، فإذا كانت هناك اغنية موسيقاها صاخبة وذات ايقاع سريع فيزيد من سرعته ويقود مع الايقاع".
وهو ما ينطبق على الجامعات التي تقع على طريق الشاحنات والتي تتطلب من السائق التركيز، وهذه الملاحظة جزء من شكوى عن رفع صوت مسجلات في الباصات ما يشكل "اجبارا" للطلبة والطالبات على سماع ما يريده السائق حتى لو كان مخالفا لأذواقهم ورغباتهم وحقوقهم في الصمت او القراءة او حتى النوم.
لو حصرنا ما انفقناه من اجتماعات وحملات توعية وبرامج اعلامية ولجان عليا ومتوسطة لوجدناه جزءا اضافيا على خسائرنا المتزايدة من حوادث السير؛ لأن كل ما فعلناه - رغم حسن النوايا- لم يخفف المآسي او يقلل الخسائر، فإمّا أن كل ما فعلناه في واد وممارسات الناس في واد آخر، او أنّ الجهد المبذول اقل بكثير من سرعة السلبيات واسباب الحوادث.
واذا اردنا ان نقترب اكثر من بعض الأسباب فالأمر يحتاج إلى مراجعة سياسة النقل العام والدور الذي لم تمارسه بشكل سليم هيئة تنظيم قطاع النقل. فنحن لا نملك نقلا عاما حقيقيا يمكن أن يشكل مدخلا لتخفيف الازدحام عبر حركةٍ ضمن جداول معروفة، ومعظم خطوط النقل عليها شكاوى ومشكلات، فقد فهمنا الخصخصة بشكل مختلف مارسته هيئة تنظيم قطاع النقل.
وعلينا ايضا أن نرى أساطيل (سيارات التكسي) التي تجوب عمان وبسبب حركتها الدائمة، وأعدادها الكبيرة تحولت إلى جزء من أزمة ومشكلة، وهنالك الكثير من المشكلات التي نشاهدها في أوراق العمل والندوات، لكن حلولها تصطدم بالعجز الإداري وبغياب المرجعية.
ما نفعله اننا نشتم حوادث السير ونتعاطف مع الضحايا. لكن خطواتنا تجاه الحلول غير منتظمة، واحيانا تغميس خارج الصحن!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة