تقارير أمنية وإعلامية لا تزال تصدر منذ أسابيع تتحدث عن توجه القاعدة الجديد بإيجاد موضع قدم لها في فلسطين. وتستند هذه التقارير إلى فرضيات ومعلومات وتسريبات أمنية. أبرز هذه الفرضيات تتمثل بأنّ تحول حماس باتجاه العمل السياسي- السلطوي وإعلانها الهدنة، التي يبدو أنها ستطول، سيخلق حالة من الفراغ في"اليمين الفلسطيني" وفي مجال العمل المسلّح سيحتاج إلى قوة جديدة تملؤه وتبدو القاعدة هي المرشّح لذلك.
يعزز ما سبق أن التيار السلفي الجهادي، الذي يمثل الوعاء الفكري والحركي الحاضن للقاعدة، يضم عددا كبيرا من الفلسطينيين سواء في الشتات( بشكل خاص في مخيمات اللاجئين في العديد من الدول) أم في الداخل، وكان يحول دون بروز هذا التيار في"المشهد الجهادي" الفلسطيني الحضور والدور الذي كانت تلعبه حماس، ونفوذها الاجتماعي الكبير، إلاّ أنّ تحولات حماس ستساعد القاعدة على الانتقال بالعمل إلى مرحلة جديدة ومتقدمة، أكثر تنظيما وإعدادا.
ولا يخفى على المراقبين والمتابعين للقاعدة والخلايا الجهادية المرتبطة بها أنّ فلسطين كانت دوما هاجسا يؤرقهم، وهم يسافرون إلى الأصقاع والمناطق البعيدة بحثا عن أرض للجهاد. هذه الملاحظة يلتقطها الصديق حازم الأمين، في تقريره في صحيفة"الحياة" حول اتجاه القاعدة إلى فلسطين، ويربطها ببعض القصص والمؤشرات التي تؤكد أن فلسطين كانت دوما"الحاضر الغائب" في هموم أبناء القاعدة والتيار السلفي الجهادي من الفلسطينيين والعرب الآخرين.
ما سبق من الحجج يسندها نصوص لعدد من منظري التيار الجهادي تؤكد على أن فلسطين هي أحد اهتماماتهم الرئيسة من جهة، وأنّهم لا يتوافقون مع منهج حركة حماس- الأخواني من جهة أخرى. وفي مقدمة هذه النصوص نجد الخطابات الصادرة عن زعيمي القاعدة ابن لادن والظواهري التي تربط دوما بين مواقفهم وعملياتهم وبين ما يحدث في فلسطين، فليس مستبعدا أن تعمل القاعدة على تعزيز خطابها من خلال النشاط العملي لاكتساب مصداقية أمام الرأي العام العربي، بما تمثله له القضية الفلسطينية من همٍّ عام مشترك.
ولا يدعنا أبو محمد المقدسي، مؤسس هذا التيار في الأردن، نحلل ونتوقع فهو يصرّح في معرض انتقاده لعمليات الزرقاوي العسكرية في الأردن أنّه – أي المقدسي- ينظر إلى"غربي النهر حيث له طموحات وآمال هناك". ما يوضح أنّ نقل الفكر السلفي الجهادي من الجوار(مصر، الأردن، لبنان) إلى فلسطين هي مسألة وقت وتأسيس، فهذا التيار عمليا بدأ نشاطه"التأسيسي" هناك منذ سنوات.
في مقابل الافتراضات السابقة، ثمة"معلومات" تقع في الاتجاه نفسه. وبالعودة إلى تحقيق حازم الأمين في الحياة، فإن المصادر الرسمية الأردنية تبرعت بمعلومات تؤكد الفرضيات السابقة(!) دون أن ندرك ما هي الأهداف وراء هذا الكرم الأردني لصحيفة عربية(!) وما هي مصالح الأردن في تمرير معلومات كهذه. على أي حال، وفقا لمصادر رسمية أردنية، هناك نشاط جديد للقاعدة في فلسطين، الأمر الذي ترافق مع إعلان إسرائيل عن إلقاء القبض على عدد من المنتمين للقاعدة، وتأكيد مصادر إعلامية إسرائيلية دخول أشخاص مرتبطين بالقاعدة إلى غزة. وفي السياق ذاته يقرأ عدد من المحللين خطاب الظواهري الأخير لقيادة حماس، الذي ينتقد فيه توجههم نحو العملية السياسية في ظل أوسلو وتخليهم عن"العمل المسلّح".
أهم مما سبق، أن الأزمة داخل حركة حماس مرشحة لانشقاق وخروج عدد كبير من أبناء جناحها العسكري، بالتحديد في غزة حيث المزاج الديني- السلفي والكثافة السكانية والظروف الاقتصادية السيئة، ومن المتوقع أن يجد هؤلاء احتضانا من القاعدة وتحالفا معها. وتشير معلومات إلى أنّ الرئيس محمود عباس عندما أعلن عن وجود نشاط للقاعدة في غزة أنه كان يقصد انشقاق محمد ضيف، قائد كتائب عز الدين، وانضمامه إلى القاعدة.
ومن الحجج الداعمة للمعلومات السابقة أنّ عددا كبيرا من أبناء الجناح العسكري لحماس، هم أبناء"الانتفاضة المسلحة"، ولم يخبروا الممارسة السياسية المرنة لجماعة الإخوان، السابقة على تأسيس حماس من رحمها، فهم غير مهيئين بحكم التنشئة والتجنيد والتكوين النفسي والفكري والحركي لتقبل التحولات الجديدة للحركة، بخاصة أن قيادة حماس لم تقدم رؤية استراتيجية للمرحلة القادمة، ويبدو أنّها لا تزال في حالة "الصدمة" من انتصارها الكبير وتورطها في العمل السياسي الرسمي واستحقاقاته.
لكن، على الرغم من كل الحجج والمعلومات السابقة، يبقى هناك سؤال رئيس وهو: ما مدى تقبل المجتمع الفلسطيني لخطاب القاعدة الفكري وممارستها السياسية؟ وهل فعلا ستترك حماس فراغا في اليمين أم أنّ نفوذ حماس وقوتها وحضورها الاجتماعي متجذّر إلى درجة يصعب معها تصور إضعاف المتغيرات الجديدة للحركة ودورها الاجتماعي في الساحة الفلسطينية؟ وهل الواقع الأمني والسياسي الحالي يسمح بدور عسكري فعّال للخلايا التابعة للقاعدة؟
الحقيقة التي تغيب عن التحليلات السابقة، أنّ حماس لم تطرح الهدنة، وتتجه إلى العمل السياسي إلاّ بعد أن ضاقت وتحددت المساحات المتاحة للجهاد المسلّح، وبعد أن بدّلت إسرائيل قواعد اللعبة الأمنية- العسكرية، وجعلت من كلفة العمليات العسكرية أكبر بكثير على الشعب الفلسطيني وبنيته الاجتماعية والاقتصادية، ما يعني أنّ منهج القاعدة في العمل المسلّح لا يتناسب مع البيئة الأمنية الجديدة في فلسطين.
من ناحية أخرى؛ حماس ليست وليدة السنوات الأخيرة، فلها جذورها الاجتماعية الراسخة، وتحظى بقبول عال من المجتمع الفلسطيني، الذي صوّت لها في الانتخابات وهو يعلم تماما أنها أمام مرحلة تحول سياسي كبير، لكنها في سياق الواقع الفلسطيني والمواقف الإسرائيلية والدولية والإقليمية أفضل الموجود.
هذا لا ينفي أن القاعدة تنشط في فلسطين وأنها تحاول بناء أدوات لها، لكن في القراءة الموضوعية للواقع الفلسطيني فإنّ الشروط التاريخية الحالية لا تخدم توجه القاعدة الجديدة. وإذا ما تفاقمت الأزمة داخل حماس وتطورت الأمور باتجاه الأسوأ لن تكون القاعدة هي"بديل" الشعب الفلسطيني، الذي لا يحتمل الرهان على كلفة أمنية باهظة الثمن، يصعب على أي مجتمع تحملها وفقا لأبجديات الحسابات العقلانية، ما يجعل من فرضية أنّ فلسطين هي المحضن الآمن القادم للقاعدة في المنطقة غير مرجحة.
m.aburumman@alghad.jo
FacebookTwitterطباعةZoom INZoom OUTحفظComment
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة تصنيف محمد ابو رمان جريدة الغد