شهدنا في كثير من المراحل فتح ملف النقابات المهنية، وكان محور الجدل والمواجهة يتعلق بالدور السياسي للنقابات، وبخاصة ان معظمها اقرب الى المعارضة وطروحاتها، لكن أنصاف المعارك تلك اوجدت توترا ولم تزد من الدور السياسي للنقابات ولم تضعف من دورها السياسي.
ما نود التوقف عنده اليوم الدور التنموي للنقابات المهنية والعمالية، وتحديدا خطواتها نحو منتسبيها، اي تأثير هذه النقابات في خدمة مئات الآلاف من الاردنيين المنضوين تحت لواء نقاباتنا المهنية والعمالية، وبخاصة في ظل الاوضاع الاقتصادية العامة، وحتى لو كنا دولة نفطية فإنّ للنقابات دورا مهما في رفع سوية حياة افرادها.
وللإنصاف فإنّ هنالك نقابات مهنية تقدم اداء متميزا في خدمة اعضائها على صعيد الصناديق والقروض والتقاعد وشراء الاراضي وتأمين آليات لشراء سيارات وكثير من السلع.
وهذه النقابات اصبحت ذات اثر واضح في حياة منتسبيها وعائلاتهم، وهنالك نقابات تحاول لكنّ جهدها ما زال قليلا وبسيطا، وهنالك نقابات مهنية وعمالية لا علاقة لها بحياة اعضائها سوى النشاطات الروتينية والاجتماعات الدورية.
دور اي نقابة ليس المطالبة بزيادة سنوية، او اداء الواجبات العادية، لكن الدور الحقيقي للنقابات المهنية والعمالية يجب أن يشهد تحولا جذريا، سواء بالاداء الفردي لكل نقابة او بالتنسيق بين بعضها، فالنقابات العمالية والمهنية التي ما زالت تمارس دورا روتينيا يفترض ان تعيد تقييم دورها وحضورها، ليكون التفكير في كل امر ممكن لمساعدة المنتسبين على تطوير حياتهم المعيشية، سواء عبر قروض ميسرة، او بعمليات تأمين اراضٍ بأسعار معقولة وبأقساط ممكنة، او بتسهيل ما امكن من نفقات دراسة الابناء في الجامعات، وكل هذا ضمن سلسلة طويلة من الخدمات التي يمكن التفكير بها والبدء بما يمكن منها.
نعلم أنّ بعض النقابات لا تملك امكانيات كثيرة، لكن مشكلتها الحقيقية انها لم تفكر بشكل جاد حتى الآن بتطوير منظومة خدماتها، ومن لا يملك الامكانيات عليه أن يبدأ بما هو ممكن، فالنقابات التي سجلت انجازات خدماتية لم تكن يوما امبراطوريات مالية، بل بدأت وطورت وسائلها حتى أصبحت مؤثرة في حياة الاف العائلات.
وما دمنا نتحدث عن تنمية سياسية ودور اكبر لمؤسسات المجتمع المدني واهمها النقابات المهنية والعمالية، فإنّ على قادة العمل النقابي التفكير بجدية في خط تنموي خدماتي يجعل هذه التنظيمات النقابية تمارس دورها الحقيقي في مساعدة افرادها على امتلاك وسائل الحياة الكريمة. فالنقابة التي تساعد افرادها على امتلاك قطع اراض للسكن بأقساط ميسرة واسعار معقولة تقدم لهؤلاء خدمة العمر، وحين تؤمن لهم تقاعدا يكفيهم لشيخوختهم فإنّها توفر لهم جزءا من الأمن الاجتماعي.
ومن يدعي الحرص على دور النقابات المهنية والعمالية والحفاظ عليها من اي استهداف فعليه ان يرسخ وجودها في حياة مئات الآلاف الذين ينتسبون اليها. فالأسرة التي تشهد حياتها اثارا حقيقية من اي نقابة ستدافع عنها، والعامل الذي يلمس حضور النقابة في تطوير حياته سينتمي اليها، اما اذا اقتصرت العلاقة على مواسم الانتخابات وبعض النشاطات الروتينية فإنّ النقابات الضعيفة، ومهما تحدثت في القضايا العامة، لا تبني لها مكانا في قلوب منتسبيها.
وحتى في الاطار الوطني فإنّ النقابات جزء من الدولة، وقيامها بدور تنموي خدماتي لأفرادها وأعضائها وعائلاتهم من ملايين الأردنيين جزء من واجبها الوطني. وإذا كان هنالك اداء لمساعدة الاردن وتقديم نماذج في الانتماء الحقيقي فليكن في رفع النقابات مستوى الخدمة لأفرادها.
لم يعد السؤال فيما إذا كان يحق للنقابات الانشغال بالقضايا العامة أم لا؟ لكن ما يجب أن نختلف عليه هو حول اداء هذه المؤسسات المهنية والعمالية ودورها الخدماتي والتنموي تجاه مئات الالاف من اعضائها وعائلاتهم، فالذي يؤدي دوره فليتحدث بالسياسة تأييدا او معارضة، لكن الهروب من عجز الدور التنموي، يجب أن لا يغطى بالبيانات واليافطات!
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة