لا أمن (بالفزعة) 

 

اقترحتُ قبل عشرة أشهر أن تغلق المؤسسة العامة للغذاء والدواء بالشمع الأحمر، حينما كانت تخوض حربها الشعواء ضد المطاعم والملاحم الشهيرة، التي ظهرت ضليعة بالفساد الغذائي، وغارقة بتلويثنا وتسميمنا، فمع تقديري لعمل المؤسسة، إلا أنها صدمتنا بصحوتها الفجائية، وظهورها كطفرة في سياقنا اليومي، وجعلتنا نتساءل يومها بألم وحرقة: أين كنتم من قبل يا جماعة؟ لماذا لم تعملوا هكذا على مدار الوقت؟ فنحن نأكل يومياً، وليس موسمياً.

ودعمت اقتراحي بسبب آخر، ربما يكون أقل وجاهة، وأكثر سخرية، حينما بينت أن شعباً يستهلك تلك الكميات من اللحوم الفاسدة المكتشفة، ويبقى صامداً، دون أن يحدث معه ولو رعشة مغص، أو حكة أمعاء، لا ضرورة له بمؤسسة تراقب غذاءه وطعامه. فالظاهر أن مناعة كبرى لا تُغلب، تولدت لنا، وأننا لا نلتهم الطعام الفاسد فحسب، بل إننا نلهط الزلط، ونلحس الهباب.

ولذلك تنبأتُ في ذات المقال، أن تكون حملة المؤسسة جمعة مشمشية، وأن المياه لا تلبث أن تعود لمجاريها، وستفتح المطاعم، وتعود الناس للرتع فيها مجدداً، وهذا التنبؤ لم يكن تقليلاً من شأن المؤسسة، بل من باب الدراية بسياساتنا المبنية والقائمة على نظام (الهبة) والفزعة. وكل فزعة لا يعول عليها. وكل نار تصبح رماداً.

قد يكون أمر الفزعة أو الهبة أو سياسة (وين راحوا النشامى؟)، والجمعة المشمشية مقبولة في كثير من الأمور، إلا أنها مرفوضة وقاتلة ولا يستسيغها عقل في (الأمن والأمان)، فبعض الأشياء تنجح معها فلسفة قليل دائم، خير من كثير منقطع، إلا في الأمن. فهو لا يتجزأ، ولا يُقسط، ولا يكون قليله الدائم أفضلَ من كثيره المنقطع، أو العكس. بل يفقد الأمن معناه إن غاب رمشة عين: الأمن إما موجود، أو فلا.

قبل يومين أعلنت مديرية الأمن العام عن حملة أمنية كبيرة ألقت القبض فيها على مئات المطلوبين الخطرين، وأعادت عشرات السيارات المسروقة، بعد أن أرقت البلد هذه القضية الخطيرة. ورغم بهجة هذه الخبر، الذي يعيد إلينا بعض توازننا، إلا أن سؤال الألم الواخز يطرح نفسه بقوة ووجع من جديد: أين كنتم يا جماعة من قبل؟، ولماذا تركتم الأمور تصل إلى ما وصلت إليه؟.

 

بقلم رمزي الغزوي


المراجع

addustour.com

التصانيف

صحافة   رمزي الغزوي   جريدة الدستور