منذ الخمسينيات من القرن الماضي , وفي أحاديثي مع الدعوة الإسلامية وحركاتها , ومع العاملين في ميدان ما يسمونه تحرير فلسطين , وفي كتبي ومقالاتي , في ذلك كله كنت أؤكد حقيقة رئيسة هي الأساس لتحرير فلسطين من الشرك ومن أعداء الله اليهود والصهاينة ومَنْ تبعهم وآزرهم , والله أعلم بما ظهر وخفي!
هذه الحقيقة الرئيسة هي أن فلسطين أرض الإسلام وملك الإسلام , وحقُّ الإسلام . ومن هذه الحقيقة الثابتة يجب التذكير بحقيقة الإسلام الذي له وحده الحق في أرض فلسطين , وفي أرض الله كلها إذا امتدّت أمّة الإسلام في الأرض .
الإسلام الذي نعنيه , كما بيّنه لنا الله سبحانه وتعالى , هو دين جميع الأنبياء والمرسلين الذين بَعثَهم الله على مرّ التاريخ منذ نوح عليه السلام, وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وموسى وعيسى عليهم السلام , الرسل الذين ختموا بمحمد r , وبكتاب الله المنزّل عليه. إنه دين واحد , فلا يُعقل أبداً أن يبعث الله رسله بأديان مختلفة يتصارع الناس عليها , ولا يُعقل أبداً أن يكون لله الواحد الأحد أكثر من دين . فالله واحد ودينه واحد هو الإسلام , بعث به جميع الأنبياء :
( إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ ۗ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ۗ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ )
[ آل عمران : 19]
وكذلك :
( وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ )
[ آل عمران : 85 ]
ويؤكد القرآن العظيم هذه الحقيقة الرئيسة تأكيداً شديداً في آية بعد آية حتى لا تختلط ولا تشوّه ولا تغيب الأذهان:
( قُلْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ) [ آل عمران : 84 ]
وهذا دعاء إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام:
( وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ . رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ) [ البقرة : 127 – 128 ]
وتتوالى هذه الآيات في كتاب الله لتبيّن أن الأنبياء والرسل جميعهم كانوا مسلمين, وأنهم بذلك كانوا أمّة واحدة.
 ( إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ) [ الأنبياء : 92 ]
وكذلك :
( وَإِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ ) [ المؤمنون : 52]
 
إنَّ فلسطين هي أرض الإسلام والمسلمين :
وهذا يفرض علينا أن نقف وقفة تأمل وتدبّر مع الآيات الكريمة في سورة المائدة عن موسى عليه السلام وقومه والأرض المقدسة :
( وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ . يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلَا تَرْتَدُّوا عَلَىٰ أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ )
 [ المائدة : 20 ـ 21]
وهنا فإن موسى عليه السلام, وهو يحمل لقومه رسالة الإسلام الواحدة ودين الإسلام الواحد, يذكّر قومه من بني إسرائيل بنعمة الله عليهم وفضله عليهم بالإسلام وبدينه الحق " .... إذ جعل فيكم أنبياء " , كلهم يحملون دين الإسلام, دين الله الواحد الذي لا يقبل الله من أحد غيره, ويذكّر قومه بما أنعم الله عليهم من قوّة وسلطان لينصروا دين الله الإسلام : " ... وجعلكم ملوكاً وآتاكم ما لم يؤتِ أحداَ من العالمين" وعندما قال موسى عليه السلام : " يا قوم ادخلوا الأرض المقدّسة التي كتب الله لكم .... " , فإنه يخاطب قومه المسلمين الذين آمنوا به واتبعوه, سواء من صدق منهم أو نافق, وسواء من ثبت أو ضعف ...! والأرض المقدّسة هي فلسطين التي أمر موسى قومه المسلمين أن يدخلوها ويجاهدوا في سبيل الله ضد القوم الكافرين, الذين كانوا فيها, والذين قالوا عنهم : " ... إن فيها قوماً جبارين ... " ليبلّغوهم رسالة الإسلام فهذه الأرض المقدسة, أرض فلسطين, كتبها الله للإسلام والمسلمين, بغض النظر عن لون أو جنس. فلم يكتبها لليهود, ولا لأيّ جنس آخر وإنّما كتبها للمسلمين على مرّ العصور, ابتلاءً منه سبحانه وتعالى وتمحيصاً لعباده المسلمين.
والله سبحانه وتعالى لا يؤثر جنساً على جنس ولا قوماً على قوم , إلا بالإسلام والإيمان والتقوى , وهذه كلمات محمد r , خاتم الأنبياء والمرسلين , في خطبة حجّة الوداع , كأنه يخاطب البشريّة كلها والأجيال كلها إلى يوم القيامة :
" أيها الناس إنما المؤمنون أخوة, فلا يحل لامرئ مال أخيه إلا عن طيب نفس, ألا هل بلّغت ؟ اللهم اشهد ! فلا ترجِعُنَّ بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض, فإني تركت فيكم ما إن أخذتم به لم تضِلُّوا بعده, كتاب الله, ألا هل بلّغت ؟ اللهم اشهد !
" أيها الناس : إن ربكم واحد , وإن أباكم واحد, كلكم لآدم وآدم من تراب, إن أكرمكم عند الله أتقاكم , وليس لعربيّ على عجميّ فضلٌ إلا بالتقوى, ألا هل بلّغت , اللهم اشهد ! " قالوا : نعم ! قال " فليبلّغ الشاهد الغائب ! "
إذن وضح الأمر بميزان الإسلام, أن فلسطين هي أرض الإسلام والمسلمين على مر التاريخ . فدعوى اليهود أن الله سبحانه وتعالى وعدهم بالأرض من النيل إلى الفرات , أو وعدهم بالأرض المقدسة , افتراءٌ على الله سبحانه وتعالى . فالله لم يقسّم الأرض في شرعه ودينه بين الشعوب والجنسيات , وإنما الأرض كلها أرض الإسلام , أرض الله ودينه , والناس كلهم يجب أن يكونوا مسلمين. ولكنها سنن الله في خلقه, ابتلاءً منه وتمحيصاً على قضاء نافذ وقدر غالب وحكة بالغة, دون أن يتغيّر شرع الله ودينه .
فإِنْ وَعَدَ الله أحداً من خلقه فإِنَّه وَعَد المؤمنين بالجنّة ووعد الكافرين بالنار. وإنه وعد المؤمنين إن صدقوا وأوفوا بعهدهم مع الله بالنصر والغلبة, ما توافرت فيهم الخصائص الإيمانية التي ينزل الله بها نصره عليهم.
وإن الله سبحانه وتعالى حين وعد المؤمنين بالنصْر فقد كلَّفهم قبل ذلك بمسؤوليات وتكاليف ربانيّة, جعلها الله أمانة في عنق كل مسلم وفي أعناق الأمة المسلمة, أمانة فصَّلها في كتابه الكريم وفي سنة نبيّه r . هذه الأمانة كلها تجمعها كلمات ربانية محدّدَة : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والإيمان بالله :
( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ۚ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ )
 [ آل عمران : 110 ]
وتجتمع هذه الأمانة كلها في أنها عهد مع الله , أخذه الله من جميع الرسل والأنبياء , ومن جميع عباده المؤمنين , ليحملوا رسالة الله إلى عباده جميعاً , فيبلغوهم هذه الرسالة ويتعهدوهم عليها , حتى تكون كلمة الله هي العليا .
إذن هي أمانة , وعهد وميثاق , وأمر بالمعروف ونهي عن المنكر , فهذه هي موجز رسالة الله , وإيمان بالله وملائكته ورسله وكتبه واليوم الآخر .
من خلال هذا العهد والميثاق والأمانة , فإن فلسطين جزء من أرض الإسلام هي ملك الإسلام وحقه .
فعن زياد بن أبي سودة عن أخيه أن ميمونة بنت سعد مولاة النبيّr قالت: يا نبيّ الله آفتنا في بيت المقدس فقال : " أرض المنشر والمحشر ائتوه فصلوا فيه , فإن صلاةً فيه كألف صلاة فيما سواه . قالت : أرأيت من لم يطق أن يتحمل إليه أو يأتيه, قال : فليهد إليه زيتاً يُسْرج فيه فإن من أهدى إليه كمن صلى فيه " .
 [ رواه أحمد – الفتح الرباني ج23, ص 393, حديث : 66 ]
 
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي r : " لا تُشدُّ الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد : مسجدي هذا والمسجد الحرام والمسجد الأقصى . "
[ رواه مسلم في صحيحه : 15/95/1397]
وحسبك قوله سبحانه وتعالى :
( سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ )
 [ الإسراء :1]
ولقد قلت في عدة قصائد شعرية : إن فلسطين هي ملك الإسلام وحق الإسلام , ومنها هذه الأبيات :
يا ربوة الأقصى ! جلالك آية الإسـ
 
سـلام تـجلـو حقّـه المشهـودا
فبكـلِّ رابيـةٍ طيــوفُ صحابـة
 
وبكلٍّ مُنْـعَطـفٍ ضممـتِ شهيـدا
وبـكـلِّ ميـدانٍ تــدورُ ملاحـمٌ
 
حَمَلـتْ لك الإسـلام والتّوحـيـدا
وجـلالَ إسـراءٍ وعـزّةَ مـؤمـنٍ
 
مـلأ الزّمـان مـواكبـاً وجنـودا
دُررٌ تألَّـق في الرّبـى وكـواكـبٍ
 
طلَعَـتْ تعيد علـى الزّمان جـدودا
وتعيـد لألأة الـفتـوح جَـواهـراً
 
تلقـي عليـك قلائـداً وعقـودا (1)
إذن فلسطين هي حق الإسلام وملكه, هي حق المسلمين على مدار التاريخ كله إلى يوم القيامة . وستدور الملاحم ابتلاءً من الله سبحانه وتعالى, ومنها ملاحم بين المسلمين واليهود, فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله r قال :
" لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود, فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر, فيقـول الحجر والشجر : يا مسلم ! يا عبد الله ! هذا يهوديٌّ تعال فاقتله, إلا شجر الغرقد فإنه من شجر اليهود . "
ونلاحظ هنا أَنَّ الحجر والشجر أنطقه الله بالحق . وعرف أن فلسطين أرض الإسلام, فقال يا مسلم : يا عبد الله ! ولم يقلْ : يا فلسطيني, يا سوري, يا مصري, ولا يا عربي, ولا يا أعجمي . نداء واحد ثابت مع الدهر : يا مسلم ! , يا عبد الله ! وفلسطين تنتظر المسلم الذي يحمل الخصائص الربانيّة التي بها يُنزِل الله نصره على المسلمين .
من هم اليهود ؟.
ولا بد من كلمة سريعة عن كلمة " اليهود " التي وردت في الحديث الشريف أعلاه. ففي معظم الآيات الكريمة يَتَحَدَّث سُبحانه وتعالى عن بني إسرائيل ورسلهم وأنبيائهم الذين بعثهم الله فيهم بدين الإسلام ! ولنقف مع الآية الكريمة في سورة الصف :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ ۖ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ ۖ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَىٰ عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ )
 [ الصف : 14 ]
"... فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة ... " , آمنت بعيسى عليه السلام ورسالته ودينه الإسلام . فكانوا مسلمين, ويؤكد هذا المعنى ما جاء في سورة آل عمران :
( فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَىٰ مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ ۖ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ . رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ ) [ آل عمران : 52 – 53 ]
فوضح بشكل يقيني من الحوار أن الذين آمنوا من بني إسرائيل هم المسلمون . وأن الذين كفروا كما يَدلّ عليهِم قوله سبحانه وتعالى : " فلمّا أحس عيسى منهم الكفر " هؤلاء هم اليهود . ثم تأتي آيات متعددة تبين أن اليهود هم الذين كفروا من بني إسرائيل . وهذا قوله سبحانه وتعالى :
( لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُـوا يَعْتَدُونَ . كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ . تَرَىٰ كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ ) [ المائدة : 78 – 80 ]
" وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباءه .... " قالوا بذلك افتراءً على الله . فردّ الله عليهم : " قل فلم يعذبكم بذنوبكم ...... " !
وقد ربطت الآية الكريمة اليهودَ والنصارى معاً في افترائهم هذا .
وكذلك قوله سبحانه وتعالى :
( وَقَالَـتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ ۚ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا ۘ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ... ) [ المائدة :64]
وكذلك قوله سبحانه وتعالى :
( وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ۖ ذَٰلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّىٰ يُؤْفَكُونَ )
 [ التوبة : 30 ]
وكذلك :
( وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَىٰ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ ) [ البقرة : 113 ]
وكذلك :
( وَقَالُـوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا ۗ سُبْحَانَهُ ۖ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۖ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ ) [ البقرة : 116 ]
نخلص من ذلك كله أن القرآن الكريم يبيّن لنا أن بني إسرائيل كانوا فئتين, فئة آمنت بالأنبياء والمرسلين وأسلمت لله , فهؤلاء كانوا مسلمين جزءاً من الأمة المسلمة الممتدة في التاريخ البشري , والتي أشرنا إليها بقوله سبحانه وتعالى :
 ( إِنَّ هَٰذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ ) [ الأنبياء : 92 ]
هذه فئة من بني إسرائيل . والفئة الثانية هم اليهود الذين كفروا بالأنبياء وافتروا على الله وأشركوا وضلوا . فما يدّعيه اليهود اليوم وما ينسبونه إلى التوراة من أن الله أعطاهم الأرض من النيل إلى الفرات هو افتراء على الله وضلالة . وإن كان الله سبحانه وتعالى وعد شعباً فإنه وعد المسلمين إذا أوفوا بالنصر والتمكين , ووعد الكافرين بعذاب أليم .
والأمر ليس موقوفاً على من نسميهم اليهود , فالاسم ليس هو الذي يحدّد الإيمان أو الكفر , ولكنه المعتقد والموقف . فلو أن بعضاً من المنتسبين إلى الإسلام اليوم تخلّوا عن معتقد الإيمان والتوحيد , وأداروا ظهورهم لكتاب الله وسنة نبيه r , وما التزموا بهما , وساروا مع الكافرين , فهم منهم لا تغنيهم البطاقة الدنيوية ولا الهوية ولا الأسماء والألقاب . وكذلك الحال مع كل شعب أو فرد . وهذا قوله سبحانه وتعالى عن إبراهيم عليه السلام :
( مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) [ آل عمران : 67 ]
وكذلك :
( تَرَىٰ كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ . وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَٰكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ) [ المائدة : 80 – 81 ]
ففلسطين هي الأرض المباركة , باركها الله , وهاجر إليها إبراهيم النبي الرسول المسلم ولوط كذلك , هاجر إليها باسم الإسلام , لا باسم عرق أو جنس, بعد أن انطلق للدعوة إلى الإسلام, فأراد قوم إبراهيم حرقه في النار فأنجاه الله منها :
( قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكُمْ شَيْئًا وَلَا يَضُرُّكُمْ . أُفٍّ لَكُمْ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ ۖ أَفَلَا تَعْقِلُونَ . قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ . قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ . وَأَرَادُوا بِهِ كَيْدًا فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ . وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ )
 [ الأنبياء : 66 – 71 ]
اليهود يتولون الذين كفروا , ودولتهم في فلسطين تمثل قاعدة رئيسة للمجرمين في الأرض :
 
( تَرَىٰ كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ۚ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ ) [ المائدة : 80 ]
ولكن اليهود الذين عرَّفناهم بأنهم الفئة التي عصت الأنبياء وكفرت بهم وحاربتهم وزوّروا الحقائق, فقد شوّهوا التاريخ, واستغلوا وسائل الإعلام, والمصالح المادية وتولّوا الذين كفروا وارتبطوا بهم : والتقت المصالح الإجرامية الدنيوية, فدعم المجرمون اليهود وأقاموا لهم دولة في قلب العالم الإسلامي, لتكون قاعدة رئيسة لهم في حربهم المجنونة ضد الإسلام والمسلمين, في حقد طاغ, وخطة شيطانية استغرقت السنين الطوال حتى مكروا بها مكرهم الشديد, فأسقطوا الخلافة الإسلامية, واحتلّوا العالم الإسلامي ومزّقوه قطعا ًقطعاً , وتسللوا إليه ينشرون فِتَنَهُمْ وأفكارهم المادية الدنيوية العلمانية , وما رافق ذلك من فساد كبير ملأ الأرض حتى اليوم.
فدولة اليهود اليوم تمثل قاعدة رئيسة للمجرمين في الأرض, يمدُّونها بكل ما تحتاجه لحمايتها , في شبه إجماع بينهم لا يختلفون عليه .
ولكن لماذا هذا الإجماع بينهم ؟! إنه نتيجة خبرتهم وتجاربهم التاريخية الطويلة, فهم مجرمون مهما حاولوا أن يتخفّوا بالشعارات المزخرفة من ديمقراطية وعلمانية وحداثة واشتراكية وغير ذلك . لهم هدف واحد هو نهب خيرات الشعوب في الأرض وإذلالها حتى تستسلم لمكرهم . ومن خلال ذلك في زمن طويل وجدوا أنه لم يقف أمامهم ولم يصدّ إجرامهم إلا الإسلام الذي جاء به الرسل جميعاً وخُتِمَ برسالة محمد r خاتم الأنبياء والمرسلين . ولذلك عكفوا على رسم خطة إجرامية ضد الإسلام وخلافته وأمته الواحدة ومعتقداته الربانية , وكأنهم يعيدون بذلك ذكرى معركة الأحزاب الذين حاصروا المدينة المنورة وفيها رسول الله r . وهم في هذا العصر الحديث حاصروا العالم الإسلامي كله . ولكن المسلمين الذين كانوا في العالم الإسلامي لم يكونوا مثل الذين كانوا في المدينة المنورة في معركة الأحزاب . فَهُزِمَ المسلمون اليوم وسقطت الخلافة ومُزّق العالم الإسلامي . لقد كان وهن المسلمين اليوم وعدم التزامهم منهاج الله, وتفرقهم والجهل الذي عمّ فيهم, فالكثيرون الكثيرون لم يعودوا يعرفون اللغة العربية ولا القرآن ولا السنة ولو حملوا الشهادات الجامعية العلية في العلوم المادية , لقد كان هذا الوهن والتفرّق والجهل من أهم الأسباب التي فتحت العالم الإسلامي للمجرمين وفتنهم ومخططاتهم .
نخلص من ذلك لنرى الصورة الحقيقية للمعركة مع إسرائيل, مع دولة اليهود !
واقع المعركة اليوم مع اليهود :
دولة اليهود كما عرضنا قامت بجهود جميع المجرمين في الأرض لتكون قاعدة رئيسة لهم في حربهم مع الإسلام, وكيدهم الظاهر والمخفي 0 وهم من أجل هذا الهدف صفٌّ واحد يبذل جهده في إنجاح مخططاته ضد الإسلام . إنهم صفٌّ واحد يعمل وفق نهج اتفقوا عليه وخطة وضعوها وأجمعوا عليها . وقد يختلفون على أشياء فيما بينهم إلا أنهم لا يختلفون على دعم دولة اليهود, القاعدة الرئيسة لهم في هذا المخطط . إنهم إذن صفٌّ واحد وخطة واحدة ونهج واحد, يمثل حركة دولية عالمية .
ومقابل ذلك ما حال المسلمين الذين يريدون القضاء على إسرائيل واسترجاع فلسطين . إنهم صفوف ممزقة, لا نهج لهم ولا خطة, فيوماً يعلنون أنها قضيَةَ الفلسطينيين, يوماً يعلنون أنها قضية العرب والعروبة, وأخذ يُطوى شعار الإسلام والمسلمين, حتى بين عدد من الدعاة والعلماء والحركات والأحزاب.
إذن المسلمون اليوم بإيجاز هم صفوف ممزقّة, لا نهج واحد يجمعهم ولا خطة واحدة يلتفُّون حولها, إلا شعارات تتلوها شعارات, في ضجيج مدوٍ, وصراع داخليٍّ قاتل, وجهود تذروها الرياح هباء منثوراً بين مئات المؤتمرات لأجل فلسطين, وآلاف الدعاة, ومئات الحركات والأحزاب, وآلاف الكتب والقصائد, وكلَّ ذلك على زمن طويل لم يعط لقضية فلسطين فرصة نجاح, أو خطوة نحو التحرير, ولم يأخذ المسلمون عبرةً من حادث أو حادثين أو مئات الأحداث, ولا من هزيمة بعد هزيمة, وكأنهم انجرفوا فيما يرسم المجرمون لهم من خطوات, وما يمكرون فيهم من مكر. هذان صفّان يدّعيان أنهما متصارعان : صفٌّ موحد على نهج واحد وخطة واحدة وهدف واحد, وصفٌّ ممزّق لا نهج له ولا خطة ! فما هي النتيجة المتوقعة ؟
حاول علماء فلسطين ومجاهدوها أن يجعلوها معركة إسلامية لله منذ العشرينيات, وخرج بعض علمائها وعلى رأسهم الحاج محمد أمين الحسيني إلى العالم الإسلامي مع أول المعركة في العشرينيات من القرن الماضي أو بعدها, وخرج علماء كذلك من سوريا وغيرها لهذه الغاية, ولكن فشلت الجهود في جعل القضية قضية إسلامية . ومع سنة 1948م أصبحت القضية بصورة رسمية قضيّة عربيّةً عُزِلَ الإسلام عنها وما جاءت سنة 1967م حتى أصبحت قضية فلسطينية, وحمَّلوا الفلسطينيين مسؤولية القتال والسياسة في مجابهة الصف الدولي مع إسرائيل. ووقع الفلسطينيون في الفخ, وأخذوا يكتشفون عدم قدرتهم على المجابة العسكرية كما أعلن ذلك ياسر عرفات ، بالرغم من العمليات العسكرية والفدائية التي قامـوا بها ، عمليات كثيرة تبنّاها الإعـلام حتى جعلت من : ياسـر عرفات ( الزعيم الرمز ) . وكما كنت قلت له في القاهرة : " إن النهج الذي تسير فيه ويَخطّط له لن يحرر فلسطين ولكن يمكن آن يجعلك زعيماً "ً. ولم تكن مسيرة منظمة التحرير مستقلة كل الاستقلال, فمنذ البداية كونتها الدول العربيّة كما جاء في البيان الذي صرّح به جمال عبد الناصر ، وظلت المنظمة تسير والدول العربية راضية عن سياستها، السياسة التي تصل إلى نقطة تحول كبير ، إعلان الفشل في الحل العسكري والاتجاه إلى المفاوضات التي تسير وتتعثر ولاتصل إلى نتيجة بالرغم من ممثلين قادمين من الغرب ثم يعودون، ثم يأتي غيرهم وهكذا . سلسلة طويلة من المفاوضات التي فشلت كلها، وفشلت معها سلسلة طويلة من الأعمال الفدائية والمقاومة المسلحة .
ولجآ بعض الفلسطينيين إلى إيران عسى أن تسعفهم ، وإلى روسيا، وغيرها، ولكن كل المحاولات ظلت تفشل واحدة بعد الأخرى، بالرغم من الإعلام القوي المدوّي الهادر الذي يجعل من الهزيمة نصراً، ومن المأساة عرساً، مع تقلّب الشعارات من الإسلامية إلى ديمقراطية، إلى عروبة، إلى فلسطينية. ولكن جميع الشعارات لم تسعف أحداً بعونٍ جاد، وظلت المفاوضات والحلول العسكرية كلها تراوح مكانها في لعبة ماكرة تديرها السياسة الدولية التي يبدو أنها تمسك بالخيوط كلها، وتحّرك بها السياسة والأحداث، على قضاء نافذ من الله، وقدر غالب، وحكمة بالغة له .
وجميع القوى التي لجآ إليها الفلسطينيون كانت تستغل الفلسطينيين استغلالاً غَير كريم لمصالحهم الخاصة مع تصريحات وشعارات مخدّرة ومضّللة، وظل الفلسطينيون غارقين في وهم كبير.
والمؤلم في ذلك كله أني كنت قد قدّمت النصح الصادق مُدَعّماً بالدراسات والأدلة والبّينة من الكتاب والسنة وتحليل الواقع من خلال الكتاب والسنة، منذ الخمسينات على نطاق واسع امتد حتى يومنا هذا في مواقع مختلفة وبلدان مختلفة، دون الوصول إلى نتيجة سليمة، وقد لمستُ كأَنَّ الجميع يخضع لبيت الشعر التالي:
كلٌّ يقـول أنـا الذي فإذا الـذي
 
ليس الذي ! يا ويل من لم يعـدل
فالجبهة الإسلامية ممزّقة، والجبهة العربية ممزّقة، والجبهة الفلسطينية ممزّقة، وكلُّ يريد أن يجابه دولة إسرائيل ومعها الصف الدولي كما سبق أن عرضنا صفَّاً واحداً على نهج وخطة واحدة، والمسلمون والعرب والفلسطينيون جبهات متعددة لا خطة توحدهم ولا نهج يقودهم.
ويبدو أن الشعارات المزخرفة لدى الجميع كانت تطوى في حقيقتها حبَّ الدنيا وشهواتها والصراع عليها، والله عليم بما تحوى الصدور، دون أن تجد النصيحة الخالصة لله تدور بين هؤلاء وهؤلاء. ولا أضرب ألا مثلاَ واحدَ على كثرة الأمثلة الواقعة الواضحة. الجميع أو معظمهم قرأ ودرس وعلم قوله سبحانه وتعالى:
( وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ ۚ وَأُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) [ آل عمران: 105]
وما زالوا يصّرون على الفرقة والتمزّق بعيداً عن منهاج الله، وما زالت الهزائم والمصائب تتوالى وتنهار، دون أن تستيقظ القلوب وتتوب النفوس إلى ربّها وخالقها.
ولا بد أن نشير إلى نقطة أخرى كان يجب أن تذكر في العرض السابق عن اليهود. فالذين يسمَّون اليوم اليهود شيء آخر. فمعظمهم قادم من روسيا وأوروبا وأمريكا لا علاقَة تربطهم بفلسطين إلا دعاية الافتراء الذي تتولاه الحركة الصهيونية والماسونيّة وغيرها من الحركات التي تفسد في الأرض، من خلال ارتباطها الوثيق بالمجرمين الكبار في الأرض، ليسيروا كلهم صفاً واحداً ونهجاً واحداً في تحقيق مصالحهم وجرائمهم وإفسادهم في الأرض، من خلال الألاعيب السياسية ومناورتها وأساليبها الميكياقيلية .
هذه الألاعيب والمناورات والأساليب الميكياقيلية لا يقف أمامها ولا يصدّها إلا رسالة محمد r بنقائها و صفائها، ونقاء جنودها وصفائهم .
قضية فلسطين لا يبتدئ تاريخها منذ سنة 1948م، ولا قبل ذلك سنوات قليلة إنها قضية ابتدأت منذ أخذ المجرمون في الأرض يُعدُّون عدَّتَهم لحرب الإٍسلام و المسلمين، في مكر ممتد إلى قرون، وكيدٍ متصل من مواقع كثيرة في الأرض، ربط المجرمين في سعيٍ واحد لإقامة دولة إسرائيل في قلب العالم الإسلامي لتكون قاعدة رئيسة في حربهم صد الإسلام والمسلمين.
السبيل إلى النصر :
هذا هو الواقع أمامنا ، وهذه هي الحقائق، فما هو المخرج وأين السبيل ؟! أُومن أن سبب هزائمنا أمام هذه القوى هو الخلل الممتد فينا نحن المسلمين . فلم يعد الإسلام هو المرجع الحقيقي لنا لنهتدي بهديه، ولا الكتاب والسنة، ولكن أصبح هذا كله أقرب إلى الشعار يُتَغَنّى به، أو يختفي وراءه المفسدون والمنافقون ويحسبون أنهم ناجون، والله رقيب عليم خبير.
لم يعد المسلمون اليوم صفاً واحداَ أمر الله:
( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ )
 [ الصف: 4]
بل تمزقوا شيعاً وأحزاباّ ابتلاءً من الله سبحانه وتعالى وتمحيصاً. واستبدل الكثيرون بدينهم نزعات غريبة مادية ، وزحفت العلمانية والنصرانية وغيرهما من الانحرافات إلى واقع العالم الإسلامي كله .
أن المسؤولية اليوم تقع على كل مسلم صادق آمن بالله واليوم الآخر، أن يعرف حقيقة مسؤولياته التي سيحاسب عليها بين يدي الله يوم القيامة، لنكون هذه المعرفة إيماناً راسخاً صافياً ويقيناً ثابتاً مغروساً في النفوس، ولتكون عِلْماً صادقاً نابعاً من الكتاب والسنة كما جاءا باللغة العربية.
إن هاتين القاعدتين الرئيستين: الإيمان الصادق والتوحيد الصافي ثم العلم الصادق بمنهاج الله ـ قرآناً وسنة ولغة عربّية ـ هما الأساس الذي يكون منه الانطلاق . فكل مسلم توافرت فيه هاتان القاعدتان وجب عليه الانطلاق القويّ لتبليغ رسالة الله كما أُنْزلَت على محمد r إلى الناس كافة تبليغاً منهجّياّ وتعهُّدهم عليها تعهّداً منهجياً، لتقوم الدعوة الإسلامية الواحدة في الأرض كُلِّها على نهج واحد وخطَّة واحدة، وجهد متراصٍّ متكامل، يملؤه الإيمان والتوحيد، والعلم من الكتاب والسنة ، في أمة مسلمة واحدة، صفّاً كالبنيان المرصوص، لتتابع مسيرتها الإيمانية في الأرض لتبني الجيل المؤمن الذي يتميز بالخصائص الربانية التي بها يُنزل الله نصره على عباده المؤمنين. فإذا غابت هذه الخصائص وهذه الأمة، فإنه يغيب معها النصر من عند الله.
الأمَّة المسلمة الواحدة :
إن الله سبحانه وتعالى جعل المسؤولية كلها بعد النبُوَّة الخاتمة في الأُمَّة المسلمة التي تحمل الخصائص الربانية إيماناً وعلماً وممارسة إيمانّية في صورة جليّة واضحةّ:
( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ۗ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ۚ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ )
[ آل عمران :110]
ولنتدبر هذا التحذير من الله سبحانه وتعالى :
( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ ۚ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُم عَلَىٰ أَعْقَابِكُمْ ۚ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا ۗ وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ )
 [ آل عمران :144]
هذا هو وحده طريق النصر، وهو وحده سبيل تحرير فلسطين من مغتصبيها، حين كان المسلمون في غفوة وتمزق وانحرافات واسعة ، وشقاق وصراع بينهم. ولقد جاء حديث رسول اللهr يبين هذه الحقيقة حين يقع الصراع بين المسلمين ويقتل بعضهم بعضاً:
فعن ثوبان رضي الله عنه قال : قال رسول الله r (( إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها . وإنَّ أمتي سيبلغ ملكها ما زُوِي لي منها. إني أُعطِيت الكنزين الأحمر والأصفر. وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكهم بِسَنَةٍ عامة، وأن لا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم . وإن ربي قال لي: إني إذا قضيت قضاءً فإنه لا يُرَد. وإني أعطيتُ لأمتك أن لا أهلكهم بسَنةِ عامة وألا أسلط عليهم عدوّاً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، واو اجتمع عليهم من أقطارها، أو من بين أقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً ويسبى بعضهم بعضاً. )) [ أخرجه الترمذي وقال حسن صحيح: 34/14،2175 ]
فالمعركة لتحرير فلسطين لا تبتدئ في أرض فلسطين. إنها أولاً تبتدئ في أنفسنا حتى تصلح وتستقيم على أمر الله . فإن انتصرنا في هذه المعركة فالنصر قادم بأذن الله في الميادين الأخرى ، وإن هُزِمنا فيها هزمنا في سائر المعارك والميادين.
إن المعركة في أنفسنا تعني صدق الإيمان وصفاء التوحيد أولاً. وهذا كله يتحدد في كتاب الله من آيات بيّنات عن حقيقة الإيمان والتوحيد. وكذلك ما في سنة رسول الله r . ولكننا هنا نورد أهم الأسس التي يقع كثير من الناس في مخالفتها:
أولاً : أن بكون الولاء الأول لله وحده، والعهد الأول مع الله وحده، والحب الأكبر لله ورسوله. وهذه مسؤوليتك أيها المسلم حتى تجاهد نفسك وتحقق فيها هذا الولاء والعهد والحب .
ثانياً : أن يتبرَّأ المسلم من كل عصبيّة جاهلية، عصبية عائلية أو حزبية أو قومية أو إقليمية أو غير ذلك مما يصادم رابطة أُخوَّه الإيمان التي أمر الله بها بين المؤمنين جميعاً .
ثالثاً : أن يُؤْثَر في حقيقة نفسه وتصوّره وسعيه الدارَ الآخرة على الدنيا، حتى لا تنحرف به السبيل، فيضلَّ ويشقى.
رابعاً : إذا صدقت هذه الأسس فعندئذ تقوم أُخوَّة الإيمان التي أمر الله بها، رابطة ربانية تربط المسلمين أمّة واحة، وصفّاً واحداً، وقوةً واحدةً، فينزل الله نصره عليها .
وحتى تستقرَّ هذه القضايا في النفس فإنها مسؤولية كل مسلم أن يجاهد نفسه أولاً لبنائها, ثم هي مسؤولية البيت والمعهد والمدرسة , ثم هي مسؤوليَّة المجتمع بكل مسؤولياته ومستوياته وقواه .
نعم إنها مسؤولية كل مسلم ! ولكن لابد من أجل نقطة الانطلاق توافر النهج الواحد للجميع , ليكون أساس لقاء المؤمنين وبناء الجيل المؤمن وبناء الأمة المسلمة الواحدة صفّاً كالبنيان المرصوص. ولا بد أن يكون النهج نابعاً من أسس الإيمان والتوحيد, ومن منهاج الله, ومن مدرسة النبوّة الخاتمة, ومن وعي الواقع من خلال منهاج الله .
إن الحروب والمعارك التي تدور في الأرض لا تخرج عن أحد ثلاثة أشكال :
1. حرب المؤمنين الصادقين مع الكفار حرب .
2. حرب المؤمنين مع المؤمنين .
3. حرب الظالمين مع الظالمين .
وهذه النماذج من الحروب عرضها القرآن الكريم :
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً ۚ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ ) [ التوبة : 123 ]
وكذلك :
( وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ۖ فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَىٰ فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّىٰ تَفِيءَ إِلَىٰ أَمْرِ اللَّهِ ۚ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا ۖ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ) [ الحجرات : 9 ]
ذلك ليبقى المؤمنون صفّاً واحداً قائماً على العدل والحق, على أسس الإيمان والتوحيد, وعلى كتاب الله وسنة رسوله r :
( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ )
 [ الحجرات : 10]
والصورة الثالثة للقتال هي بين الظالمين أنفسهم , كما في قوله تعالى :
 ( وَكَذَٰلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ) [الأنعام : 129]
فالصورة الجليّة واضحة, فلينظر المسلمون اليوم أي صورة من هذه الصور الثلاث يخوضون, وأي قتال ينزلون .
ولقد بين رسول الله r أي قتال يحبُّه الله, فهو القتال الذي يسعى لتكون كلمة الله هي العليا .
فعن أبي موسى رضي الله عنه عن الرسول r قال : " من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله ." [ أحمد والشيخان وأصحاب سنن الأربعة ]([1])
فلينظر المسلمون اليوم أيّ شعارات يرفعون, وأيّ الولاءات يقيمون, ولأي الشرائع يخضعون !
وإذا رجعنا إلى حديث رسول الله r السابق الذي جاء فيه : " ... حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً, ويسبي بعضهم بعضاً , فانظر إلى العالم الإسلامي ألا ترى أن في كثير من دياره يكون المسلمون يهلك بعضهم بعضاً, ويسبي بعضهم بعضاً. فهذه هي الصومال, وباكستان, وأفغانستان, والعراق, .... وغيرها, يقتل المسلمون فيها بعضهم بعضاً ويأسر بعضهم بعضاً. وهل كان ذلك مصادفة؟!كلا ! إن المجرمين في الأرض من خلال خطتهم لتدمير العالم الإسلامي أثاروا الفتن بين بعض المسلمين, وأشعلوا نارها, من خلال حرب مجنونة, وكيد هائج, ومكر خفيّ, واستسلم كثير من المسلمين لهم وفتنوا بكيدهم ومكرها.
إذن حتى نُحقِّق النصر أولاً يجب أن تبدأ المعركة في أنفسنا أولاً حتى نستقيم على أمر الله, وحتى نحمل رسالةَ الله إلى الناس كافّة كما أُنزلت على محمد r , وحتى ننطلق في ذلك أمة واحدة وصفّاً واحداً, على نهج مدروس صادق كما ذكرنا قبل قليل, ليكون النهج الذي ينبع من مصادره الأربعة أساس لقاء المؤمنين الذين يحملون رسالة الله ودعوته صادقين, فتكون شعاراتهم مطابقة للنهج والرسالة لا تتغير بين ديمقراطية وعلمانية واشتراكية وغير ذلك.
إذن وضح السبيل ! وضح السبيل لتحرير فلسطين , وتحرير العالم الإسلامي كله, وتحرير المسلمين, وبلوغ النصر, وتحرير المسلم !
فالنصر من عند الله وحده, فلا بد من العودة إلى الله صادقين نسأله النصر بعد أن تّحقَّقَ في واقعنا كلَّ ما أمر الله به حتى يُنزِل نصره . لابد أن نُغَيَّر نحن ما بأنفسنا, حتى يُغيّر الله ما فينا من ذلٍّ وهوان :
( عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ الْمُتَعَالِ . سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ . لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّىٰ يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ۗ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ ۚ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ )
[ الرعد : 9ـ11]
وكذلك :
( وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) [ النور : 55 ]
نعم ! هذا هو الشرط الرئيس حتى يُنجْز الله وعده بالنصر : " يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ " , حين يحمل المؤمنون الخصائص الربّانية المفصّلة من منهاج الله , والتي تحقّق العبادة الحقّة لله كما يريدها الله دون شرك ولا انحراف .
وكذلك قوله سبحانه وتعالى :
( فَهَلْ يَنْتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِهِمْ ۚ قُلْ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ . ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا ۚ كَذَٰلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ )
 [ يونس : 102ـ103 ]
نعم ! إنه وعد الله وحكمه وقدره : " ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا ۚ كَذَٰلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنْجِ الْمُؤْمِنِينَ " ووعد الله قائم ممتد كلما قام المؤمنون يحملون الخصائص الربانية التي يُنزل الله نصره, أنزل الله نصره عليهم وأوفى بوعده !
آيات بعد آيات لتؤكد أن النصر من عند الله وحده, لا من عند غرب وشرق, ولا من عند أحد من البشر . وآيات بعد آيات تؤكد أن النصر من عند الله لا ينزله إلا على المؤمنين الصادقين الذين كان ولاؤهم الأول لله وحده , وعهدهم الأول مع الله وحده , وحبهم الأكبر لله ورسوله, وقد تخلّوا عن العصبيات الجاهلية وتبرّؤوا منها, ثمّ آثروا الدار الآخرة على الدنيا .
إلى هذه الخصائص الإيمانية الربانية, إلى هذا النقاء والصفاء, إلى هذا الصدق والإخلاص, في إيمان جليٍّ صادق, وتوحيد صافٍ صادق, وعلم بمنهاج الله قوي غني, ووعي للواقع من خلال منهاج الله .
إلى هذا النهج الذي يحمل هذه الخصائص عملياً في النفوس, ندعو الجميع دعوة نقية من شبهات الدنيا, وندعو أنفسنا وأبنائنا وأهلينا والناس كافة هذا هو النهج المفصل المترابط المتناسق المتكامل, النهج الذي ينبع من مصادره الأربعة : أسس الإيمان والتوحيد, المنهاج الرباني ـ قرآناً وسنة ولغة عربيّة, ومدرسة النبوة الخاتمة, ووعي الواقع من خلال منهاج الله .
هذا هو النهج الذي ندعو إليه ألا وهو :
" نهج مدرسة لقاء المؤمنين وبناء الجيل المؤمن "
وسميته " مدرسة " لأنفي عنه أيَّ تصور حزبي أو عمل سرّي, وليكون عاماً لكل مسلم حيثما كان , وكل أسرة, وكل مجتمع, وكل حركة إسلامية وحزب وجماعة, وكل داعية وعالم, وكلٌّ يتحمل مسؤوليته بين يدي الله في التزام هذا النهج أو رفضه .
عسى أن يكون هذا النهج قاعدةً لبناء لقاء المؤمنين, وبناء الجيل المؤمن, وبناء الأمة الواحدة بخصائصها الربانية , فعسى أن يُنزِل الله نصره علينا, ويرفع عنا الذلة والمهانة , والفرقة والتمزّق .
ونودّ أن نذكِّر في ختام هذه الكلمة أن القضية الرئيسة التي يجب أن ترتبط بها جميع قضايانا وجميع قضايا كل إنسان هي الموت والساعة والبعث والحساب بين يدي الله العزيز الجبار . كل قضايا الإنسان يجب أن تدخل في قلب هذه القضية الكبرى , وكل حساب وتفسير, وكل نهج وتخطيط يجب أن ينبع من قلب هذه الحقيقة الكبرى في الكون والحياة , ويجب أن ترتبط ارتباطاً وثيقاً.
الكثيرون اليوم يدرسون قضايا الدنيا معزولة كل العزل عن القضية الرئيسة والحقيقة الكبرى. من يريد التطور والتقدم فذلك عنده يعني إقامة العمائر الشاهقة وناطحات السحاب, والتسابق في زينة الدنيا وزخرفها, وفي العلوم والصناعة المسخرين للدنيا كلية . وينسون الدار الآخرة فلا يعدون لها العُدّة ولا يأخذون لها حساباً أو اعتباراً يؤثر في ما يسعون له في هذه الدنيا.
فلا عجب إذاً أن تمتلئ الأرض بالويلات والجرائم والحروب المهلكة والعدوان والظلم و تُسَخَّر لهذه الجرائم الممتدّة كلُّ ما بين أيدي المجرمين والمنافقين من وسائل القوة وأدوات العلم والصناعة, من صواريخ بأنواعها المتعدّدة, وقنابل وطائرات , وكل وسائل التدمير المهلك المبيد .
أما وسائل القوة ونتاج الصناعة والسلاح كله حين يكون في أيدي المؤمنين الصادقين فهو رحمة وعدل وإنصاف, وإيقاف لكل أنواع المظالم والجرائم والعدوان في الأرض. فانظر كيف كانت الفتوحات الإسلامية أيام النبوّة الخاتمة والخلفاء الراشدين وهم يحملون رسالة الله إلى الناس وليس رسالة شياطين الإنس والجن .
إن أمة الإسلام التي بناها محمد r حملت إلى الناس كافّة الرسالة الربانية الكاملة حقّاً وعدلاً وسلاماًُ وأمناً.
أيها المسلمون ! أعيدوا أمة الإسلام حتى يتحقق النصر في الدنيا والنجاة في الآخرة ! ولا تفصلوا قضايا الدنيا عن قضايا الآخرة في أي مسعى أو جهد أو جهاد . وخففوا من الشعارات وضجيجها, وهاتوا النهج الحقّ والتخطيط السليم الذي يحدد الهدف ويرسم الدرب الموصل إليه حقّاً !

المراجع

odabasham.net

التصانيف

أدب  ملاحم شعرية  مجتمع