رؤوس بطيخ 

 

من علامات نضج البطيخ: جفاف الخيط الذي كان يغذي الثمرة، وأن يتغير لون بذورها إلى البني الغامق والأسود، وأن يتحول سطحها الملامس للأرض من اللون الأبيض إلى الأصفر الفاتح، وكذلك صعوبة خدش قشرة البطيخة بظفر الإصبع، ولكن تبقى الموسيقى الرنانة أكبر برهان على نضج البطيخ.

غالبية الناس لا يلتفتون لعلامات النضج المتداولة في الإرشاد الزراعي، بل إنهم وبطريقة لا إرادية يلجأون إلى عملية التطبيل على البطيخة، من أجل سماع صوت رنان مكتوم، هذا الصوت يدلهم بشكل قاطع على حلاوتها واحمرارها، وهذه الطريقة الحاذقة لا يضطلع بها إلا كل صاحب أذن موسيقية مُدربة.

من الناس من لا يقبلون الشراء، إلا على المضمون، ولهذا نجد بعضاً من أصحاب معرشات البطيخ الواثقين من بضاعتهم وجودتها يبيعون (ع السكين)، أي أن البائع يختبر البطيخة بأن يحدث فيها قطعاً مربعاً صغيراً برأس السكين، ثم يذيقها للشاري؛ فإن أعجبته؛ دفع ثمنها، ومضى.

واحد من أصحاب معرشات الطرقات غالبه النوم بين كومة البطيخ، ولأنه عامل (نيو لوك) وحالق على الصفر؛ فقد ضاع رأسه بالبطيخات، وصدف أن لصاً تسلل إلى المعرش، وبدل أن يخطف بطيخة ويمضي، راح ينتقي واحدة على (كيف مخه) من الكومة، فقاده حظه العاثر إلى أن يتناول رأس البائع، ويطبل عليه تطبيلات خفيفة، ليحدد نضجها، وحلاوتها بالرنين.

يصحو الرجل مفزوعاً؛ ويستغرب من وجود رأسه بين يدي اللص فينهره: ولك شو بتساوي؟، فيرد اللص بوقاحة عابرة للمعرشات: أريد بطيخة حمرا زي الدم، فيضحك البائع: يا أزعر بكفيش إنك حرامي، وبدك إياها عالسكين كمان.

اللصوص ألوان: لص صغير يلطش ما يقع تحت يده ويمضي، ربما ليطفئ جوعه وجوع أولاده، ولكننا نقيم الحد عليه، ونشرشحه إذا ما ضبطناه، يسرق كبريتة ماجي أو قداحة. وهناك لص حاذق، لا يقبل الهبرة إلا على المضمون إو (ع السكين)، وكلما كبرت هامته وكبر مقامه، وكان له ظهر يحميه، كانت لصوصيته ناضجة حمراء، وحلوة تغنيه لولد الولد. اللص الحريف لن يتوانى عن اختبار كومات البلد، دون خوف، أو خجل، ولن تجد من ينهره أو يسأله. وإذا كنا نخاف من هذا، فنحن أخوف ممن يريدونها دوماً (ع السكين). وأكثر خوفاً ممن عاملوا رؤوسنا ويعاملونها ككومة بطيخ على قارعة الطريق، يطبلون عليها، ويتحسسونها، ويمضون ضاحكين.

 

بقلم رمزي الغزوي


المراجع

addustour.com

التصانيف

صحافة   رمزي الغزوي   جريدة الدستور   العلوم الاجتماعية