اذا كان مطلوبا ان تتضح المواقف والخنادق في الأزمة بين الاردن وحركة حماس، فهذا قد حدث؛ إذ انقسمت الساحة بين مؤيدين لموقف الحكومة، واخرين كذبوا الرواية، وشككوا في اصل وجودها، وأعطوا البراءة لحماس من اي فعل. وضمن المعسكر الأخير هناك فئة تمارس الحيرة، فهي لا تحب ان تنتهك الأرض والأمن الأردنيين بأي تجاوز، لكنها تعتقد أن حماس لم يسبق لها استهداف اي ساحات عربية. وما بين منطق المعسكرين، نقف بانتظار مزيد من الترجيح لموقف على آخر.
المنطق يقول ان ظهور اي ازمة يحتاج الى البحث عن حلول لها، اما الذهاب بها الى مزيد من التصعيد والتراشق الاعلامي فيجعلها مادة سياسية واعلامية ثرية، لكن من دون أن يخدم احدا.
الأزمة ليست بحاجة الى مزيد من التصعد، بل الى حلول. والرأي العام ليس مضطرا إلى التخندق والانقسام لأن الاردن واستقراره وسيادته أمور لا خلاف عليها، كما أن التعاطف مع حركة حماس ذات الأداء الايجابي في مقاومة الاحتلال حق لهذه الحركة التي قدمت آلاف الشهداء والجرحى والأسرى.
اذن، لدينا ثوابت ومعطيات يفترض ان تقودنا الى حلول. وتتمثل هذه المعطيات في:
1- ان امن الاردن، وحق الدولة في ضبط ما يجري على أرضها امر ليس محل جدل، وليس من حق اي طرف تجاوزه، او أن يعطي لنفسه حقوقا تتجاوز القانون والدستور.
2- اننا لا نحب ان نرى صورة الاردن كما يظهرها بعض الاعلام، بانه جزء من عملية ضغط وحصار على حكومة حماس. وسواء اقتنع البعض بهذا او رفضوه، فاننا نتحدث عن الانطباعات، وليس اردنيا من يرضى ان يكون الانطباع عن دولته بانها جزء من سياق سلبي، فما يجب ان تكون عليه صورة الاردن هو كونه متضامنا مع فلسطين المحاصرة، وان تكون مشاهد قوافل المساعدات التي وصلت فلسطين بتوجيهات ملكية هي الصورة السائدة.
الحكومة تؤكد ان لديها متهمين وأدلة على تورط البعض من حماس في تهريب وتخزين اسلحة وامور اخرى، وحماس تنفي، ويقول بعض قادتها ان رواية الحكومة الأردنية مفبركة، لكن هذا يعني ازمة متصاعدة، واثارا سلبية هنا وهناك، فهل المطلوب انقسام يجعل احد الطرفين لدى الرأي العام مفتريا ولا يقول الحقيقة؟ وهل تعجز الحكومتان الاردنية والفلسطينية عن الحديث المباشر، ومناقشة الوقائع واعلان الحقيقة، والاهم رسم معالم المرحلة القادمة وأسس العلاقة؟
اذا كان هذا العجز قائما فهذا هو المشكلة الحقيقة، لأن فقدان القدرة على الحوار يعني اننا امام مشكلة سياسية، وليس حديثا امنيا.
من السهل ان يرفع المتحدث قلمه او لسانه لمصلحة التخندق، لكن ما هو صعب ان نذهب جميعا الى الامام لحل العقدة. والخندق الذي يجب ان نجلس فيه هو الإيمان بأمن الاردن وسيادته، والتضامن مع فلسطين وحكومتها في مواجهة الحصار والاحتلال. واي طرف يجد ان واجبه التصعيد الإعلامي، وتصنيف الاخر متآمرا على امته مع اسرائيل، من المؤكد انه يمارس واجبات اطراف اخرى؛ فالاردن وحكومة السلطة لا يملكان الوقت لمزيد من التوتر، إذ كل منهما لديه ما يكفيه من التحديات.
ننتظر الحكمة ونتوقعها.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة