جسـر الغزاة
لا أحد يعرف كيف يفكر الطغاة في ربع ساعتهم الأخيرة؟
. أو لماذا تنفتح شهيتهم على هذا النحو الشره، لكل هذه الدماء، والدمار، والقتل بالجملة؟ | . ولا أحد يدري كيف يصابون بهذا السعار المجنون حينما تدنو نهايتهم، ويشعرون باستواء عدسهم، وسخونة مائهم، وأن الآزفة قد أزفت | .
الطاغية وحيد وحيد. ولهذا لا أحد يعرف ماذا يفعل الطغاة، حين تُقرع بسببهم طبول حرب عالمية، من كل جهات الأرض، لا حيَّ يعلم، متى، أو كيف تنتهي؟. هل يفرحون؟ | ، أم يقبعون متوترين مشدوهين أمام المحطات الفضائية؟ | . ولا أحد يدري مثلاً، كيف تلقى بشار الأسد خبر أن مليون طفل سوري ضمن النازحين واللاجئين عن بلادهم؟ | . لا أحد قال لنا كيف شاهد أطفال الغوطة، وهم يلفظون أنفاسهم الأخيرة أمام كاميرا هاتف محمول؟ | .
قديما قالوا: الطغاة جسر الغزاة، لأنهم يمهدون الطريق لكل تدخل أجنبي، وأنهم ينصبون الجسور لعبور الغزاة والطامعين بغبائهم وجنون عظمتهم، فهم يمدونهم بأسباب جوهرية للتدخل بشؤون بلادهم، حين يمعنون في قتل شعوبهم، أو حين يوغلون بدمهم ويسهبون بخنقهم. فالعالم قرية. ولن يسلم أحد من نار تشتعل في أولها.
عالمنا عالم بائس، وبارد أعصاب، وسلبي، لم يفعل شيئا للسوريين في ثورتهم، بل ظل يتفرج على مأساتهم بكل تعام. عالمنا البائس لبس قناعاً على شكل وجه غاضب مرة، أو وجه حزين تارة أخرى، لكنه في الواقع لم يأبه لماساة بلد ظل يقتل ويشرد طوال عامين ونصف العام بكل هذه الوحشية والدموية. فهل يشرب عالمنا حليب السباع، أم أنها (هوبرة) وزوبعة فنجان؟ | .
عندما تصبح كرة الثلج المتدحرجة، بحجم متعاظم، وزخم عالٍ، وتسارع كبير، فلا يمكن صدها، أو مواجهتا في أي الأحوال، وسيقولون: لقد استوى العدس. ولا بدَّ لهذه الكرة أن تصل إلى مستقرها، وتحقق مرادها، وستجتاح كل من يقف بطريق إرادتها. كذلك كرة الشعوب الغاضبة التي تتدحرج صغيرة وببطء بداية أمرها، ولكنها إذ تنحدر في طلب الحرية، فلا حيَّ إلا الله يقف في طريقها أو يوقفها.
الإنسان الذي منحه الله الكرامة، وأسجد له ملائكته سجود تكريم، قد يقبل الجوع والعري والتعب، ولكنه لا بد وأن ينتصر لكرامته يوما ما. وحين ذلك فكرة الثلج، لن تنفع معها حيل التهدئة والتطمينات والكيماوي والصواريخ وخراب البلد. فقد استوى العدس يا بشار.
قال شبيحة النظام وزبانيته في بداية الثورة: الأسد أو نحرق البلد. وها هم أحرقوا البلد، وأعادوها عشرات السنين الحضارية، وشردوا الملايين في سبيل عنجهية طاغية لم ير إلا نفسه، ولا يرى إلا أياها، ولم يأبه بطفل كتب على جدار: جاك الدور يا دكتور.
بقلم رمزي الغزوي
المراجع
addustour.com
التصانيف
صحافة رمزي الغزوي جريدة الدستور
|