لقد تآكلت القضيّة الفلسطينيّة منذ إنشاء الكيان الصهيوني وتمّت تجزئتها سيّاسيّاً وإعلاميّاً ليسهل الإجهاز عليها ، فلم نعد أمام قضيّة واحدة بل أربع قضايا يراد لها أن تكون منفصلة عن بعضها ، هي:
- الحصار المفروض على قطاع غزّة.
- الجدار الفاصل في الضفة الغربيّة.
- المسجد الأقصى المهدّد بالحفريّات والاقتحامات ومنع المسلمين من أداء الصلاة فيه إلاّ وفق شروط يضعها العدوّ الصّهيوني.
يريد الصهاينة بهذه التجزئة الّتي وصلوا إليها عبر عمل مرحليّ دقيق أن "يتفرّق" دم فلسطين، وقد كادوا يحقّقون ما خطّطوا له إذ كلّما أقدموا على عدوان جديد انشغل به النّاس ونسوا الّذي قبله، وجاء العدوان الغاشم على قافلة الحرّيّة ليعيد طرح القضيّة في صورتها الحقيقيّة المكتملة ويضع العرب والمسلمين أمام التّحدّي الصّهيوني الشّامل السّافر
· نفس جديد : نحن نعتقد - بالمعنى الدّينيّ - أنّ فلسطين قضيّة مقدّسة وتحريرها واجب شرعيّ يجدر بولاة الأمور أن يؤدّوه حتّى استيفاء الغرض فإن تقاعسوا أو غلبوا على أمرهم أوتهاونوا بقيّ الواجب ملقىً على عاتق الأمّة كلّها بأفرادها ومؤسّساتها المختلفة، ولا يجوز لجيل أرهقته القضيّة أن يتنازل عنها أو يتصرّف فيها تصرّفاً غير رشيد بل عليه أن يسلّم أمرها لجيل الفتوّة والنّشاط، قال الله تعالى: " فإن يكفر بها هؤلاء فقد وكّلنا بها قوماً ليسوا بها كافرين " - سورة الأنعام 89
فكفران بعضنا بإمكانيّة إلحاق الهزيمة بالصّهاينة يجب أن يحمل الأمّة على وضعها بين يدي من يحدوهم الأمل وتسيّرهم العقيدة ويشحذ هممهم العدوان اليهودي المتواصل.
وقد شاء الله أن يشكّل الإعتداء الصهيوني على قافلة الأمل نقطة تحوّل في القضية برمّتها و بدأ ينخرط في موكب دعاة تحرير فلسطين وردع العدوّ جهات من أطياف شتّى تتقدّمهم تركيا، فيها مع المسلمين الملبّين للواجب الدّينيّ وكذلك شخصيّات وهيئات من أحرار العالم الّذين آلمهم الجرح الفلسطينيّ النّازف والغطرسة الصهيونيّة المتبجّحة منهم سياسيون وأكاديميون وصحفيون وحملة جائزة نوبل ورجال دين نصارى وحتى يهود من الرافضين للفكر الصهيوني، وهؤلاء سند كبير لنا في معركة تغيير قناعات الرّأي العام الغربيّ الّذي يقع منذ أكثر من ستّين سنةً تحت قصف الدّعاية اليهوديّة المتواصلة حتّى اقتنع أن الدّولة العبريّة ضحيّة بريئة للهمجيّة العربيّة الإسلاميّة، وهذا الرأي العام يستطيع – إلى حدّ بعيد- التأثير في الأنظمة السيّاسيّة الّتي تحكمه، وقد بدأ يطّلع شيئاً فشيئاً على الوحشيّة الصّهيونيّة منذ الحرب على غزّة ثمّ – وخاصّةً- بعد العدوان على سفن الإغاثة ، فلم يستطع اللوبي اليهودي حجب الصّوّر، والصّورة تصدم الإنسان الغربيّ وتبلّغه الرّسالة أكثر من الصّوت والكتابة، فيجب علينا اغتنام هذه الفرصة لتكثير الأصداء لا الأعداء، وعلينا الصّبر والمصابرة والعمل المنهجيّ الدّؤوب لنقل صوّر مأساة فلسطين إلى أمم أوروبا وأمريكا من حصار غزّة إلى جدار الفصل العنصري إلى المسجد الأقصى الّذي تتهدّده مخاطر الهدم إلى القدس الّتي يهجّر أهلها ويجري تهويدها على قدم وساق، وانتهاء بأصل المشكلة وهو إقامة الدّولة العبريّة على أرض عربيّة مسلمة ليس لليهود ولا للإنجليز فيها أيّ حقّ، فقد أعطى من لا يملك من لا يستحقّ، واستولى شعب بلا أرض على أرض لها شعب.
هذا عمل شاقّ طويل الأمد لكنّنا ملزمون بأدائه خاصّةً في هذه الظّروف الّتي جعلت كثيراً من الغربيّين أكثر استعداداً لسماع وجهة نظرنا، ولئن كنّا نصبح ونمسي على مظاهر عدوانيّة في كثير من البلاد الغربيّة فلا ينبغي الآن يصرفنا ذلك عن رؤية نماذج طيّبة وقفت إلى جانبنا وحملت لقومها صوّر مأساتنا، هؤلاء يجب تكثير عددهم وتقويّة حججهم حتّى ينافحوا عن قضايانا في وسائل الإعلام ويصل صوتهم إلى المنابر السيّاسيّة الّتي كانت حكراً على التّوجّهات الصّهيونيّة.
· معركة إعلامية حاسمة :إن التّقنيات الحديثة تتيح لنا أن نشنّ هجوماً إعلاميّاً علميّاً مستمرّا عبر الجرائد والمواقع الالكترونيّة وبثّ الصّوّر الحيّة بأكثر من لغة لفضح العدوّ وممارساته الإجراميّة العنصريّة ، من جهة ، وعرض القضيّة الفلسطينيّة عرضاً تاريخيّاً وواقعيّاً قويّاً من جهة ثانيّة، وهذا أمر يتجاوز الجهود الفرديّة ويستنهض المؤسّسات العلميّة والدعويّة والهيآت الاجتماعيّة المنتشرة في البلاد العربيّة والإسلاميّة، كما يحتاج بشدّة إلى المراكز الإسلاميّة الموجودة في الغرب لمعرفتها بذهنيّة تلك الشّعوب وأحسن الوسائل والأساليب لمخاطبتها والتّأثير عليها واستمالتها للحق الفلسطينيّ وإبراز وجه الصّهيونيّة القبيح عبر الأشرطة الوثائقيّة والتحريّات الميدانيّة والأرقام والإحصائيّات وصوّر الأرشيف والأحداث اليومية ،فتغيير اتجاهات الرأي العام لصالحنا من أهمّ المقدّمات لاسترجاع حقوقنا في فلسطين ، فلا بد ّ من كسب معركة موازين القوى التي كانت لصالح اليهود تماما .
· تعبئة وتعبئة: إن هذه التعبئة جزء من مقاومة العدوان، وعلينا الاعتراف أنّنا تقاعسنا عنها مدّة طويلةً فتركنا السّاحة الشعبيّة والإعلاميّة الغربيّة لليهود ومؤيّديهم يحتلّونها بالكامل فيصوّرون الحقّ باطلاً والباطل حقّاً، فزادت قضايانا خسارة وتراجعاً رغم تضحياتنا الجسيمة .
وهذه التعبئة لا تحلّ محلّ التّجنيد المحليّ للطاقات البشريّة والماديّة والمعنويّة، فلا يجوز التزهيد في أي فعل مخلص تبقى به قضيّة فلسطين حيّة في القلوب والعقول حتّى يقضيّ الله أمراً كان مفعولاً، سواء كان هذا الفعل اعتصامات شعبيّة أو مظاهرات أو مهرجانات خطابيّة أو أناشيد وأشعاراً وبيانات وندوات، فكلّ هذا له تأثيره على النّفوس ويعضد المقاومة ويشدّ أزرها.
· ضدّ التطبيع أبداً: التطبيع مع الصّهاينة ضربة في ظهر الأمّة والمقاومة والقضيّة، وهو بمثابة عمل الطابور الخامس، خاصّةً وهو يجد منابر متعدّدةً ينفث عبرها سمومه، كما يجد سنداً رسميّاً ظاهراً وخفيّاً يعمل على تبرير الاستسلام والقبول بالأمر الواقع والتنازل عن الثوابت الشرعيّة والقوميّة من أجل بناء منظومة فكريّة وشعوريّة وسيّاسيّة مبتكرة يتعايش فيها الفلسطينيّون – ومعهم العرب والمسلمون- مع العدو اليهوديّ المتغلّب العاتي، وإنّي أتمنّى أن تنظر الهيئات العلميّة الإسلاميّة ذات المصداقيّة في إصدار فتوى تحرّم – إن لم أقل تكفّر- التّطبيع وتجرّم دعاته، كما فعلت جمعيّة العلماء المسلمين في الجزائر أيّام الاحتلال الفرنسيّ حين أفتت بكفر من يأخذ الجنسيّة الفرنسيّة، فكانت الاستجابة الشّعبيّة منقطعة النّظير حتّى إن الذين انخرطوا في المشروع الاستعماري وقبلوا بالتجنّس كانوا يعدّون في الجزائر كلّها على رؤوس أصابع اليد الواحدة، وقطع دابرهم ،الحمد لله.
إن الفتوى ذات المصداقيّة سدّ صلب أمام مشاريع التطبيع ذات المخاطر والأبعاد المعروفة ، من شأنها أن تحمي حصوننا من الدّاخل حين تلتفّ حولها الأمّة فتنبذ المنهزمين روحيّاً والمتواطئين بشكل أو آخر مع العدوّ الصهيوني، واسألوا الشارع الفلسطيني والعربيّ والإسلاميّ تجدوا أن هذه رغبته بكل تأكيد.
· من القلب إلى الميدان: هذا هدفنا: نقل قضيّة فلسطين من قلوب متحّرقة مكلومة بجراحاتها إلى ميدان التّحرك الجادّ الّذي نتمكّن فيه من الإبداع والعطاء، كلّ حسب طاقته وظروفه، وهذا أفضل ردّ على المفاوضات العبثيّة والمشاريع الاستسلاميّة، وأفضل سند للمقاومة، ينوب عن تخاذل المتخاذلين وعجز العاجزين.
المراجع
odabasham.net
التصانيف
أدب ملاحم شعرية مجتمع