بين الحين والاخر تطلق بعض الاوساط السياسية والاعلامية تحليلات ونبوءات تتعلق بهوية الدولة الاردنية، او ما يسمى بمصطلحات المنطقة "الوطن البديل"، وهي قضية نتحدث بها في الاردن وفلسطين منذ زمن وصدرت حولها مواقف واضحة، لكن استمرار بعث وإحياء هذه القصة سيبقى ما دام الملف الفلسطيني مفتوحا والصراع مستمرا والحق الفلسطيني مؤجلا.
لكن الى حين الوصول الى ذلك الحال فإنّ التعامل مع هذه الطروحات يفترض ان يتم بوضوح مستمر، ولهذا كان التأكيد الملكي قبل ايام بأن الاردن لن يكون وطنا بديلا لأحد، وهو موقف متجدد مؤكد، وتبدو الحاجة دائما الى الانتباه الى أنّ أصحاب هذا الطرح الذين يتوزعون على جغرافية مختلفة في العالم يحاولون الاستناد الى ما يمكن اعتباره وقائع، منها مثلا العودة للحديث عن التركيبة السكانية الاردنية والهجرات التي استقبلها الاردن خلال تاريخه، وكأن هذه الهجرات جرى اكتشافها الان، او كأن البعض يعرف للمرة الاولى مسيرة تطور النمو السكاني، لكن الصورة التي استقرت رغم كل السلبيات والمشكلات بما فيها الثغرات القائمة، هذه الصورة اصبحت معطياتها تقول ان الاردن بكل مواطنيه دولة ذات هوية اردنية، وحتى الثغرات الاجتماعية والمآخذ السياسية اقل من ان تكون طريقا نحو الوطن البديل او تغيير بنية الدولة.
ومثل هذه الملفات الكبرى لا تكفي فيها المواقف النظرية، لهذا فالمسار الاردني الذي نمارسه جميعا يقوم على:
1- الايمان باستقلالية القرار الفلسطيني وحق الفلسطينيين في دولة مستقلة قابلة للحياة، ووجود الدولة ليس تحقيقا للمصلحة والحق الفلسطيني فقط، بل مصلحة استراتيجية اردنية.
2- عدم التدخل، والانسحاب من تفاصيل الحياة السياسية الفلسطينية، حتى ان هذا الانسحاب يراه البعض مبالغا فيه، لكن تبدو هذه المبالغة ضرورة قطعا للطريق امام كل الافكار التي تتحدث عن دور اردني مهما كان صغيرا؛ سياسيا كان او امنيا او عسكريا.
3- رفض فكرة الفدرالية والكونفدرالية بين الاردن واي كيان فلسطيني؛ لأن هذا الطرح مع كيان غير مكتمل يعني حلا للمشكلة الاسرائيلية وصناعة مشكلة بين الاردنيين والفلسطينيين؛ فالكونفدرالية او الفدرالية تعني ضما للكيان الفلسطيني غير المكتمل الى الدولة الاردنية، اي تهجير سياسي سكاني فلسطيني الى الشرق وتحقيق مقولة ان الاردن هو الدولة الفلسطينية.
اما على صعيد الداخل الاردني؛ فإن المنطق الحاكم هو ان كل حملة الجنسية هم مواطنون اردنيون، وان هوية الدولة اردنية، وليست حالة توافقية بين الاصول والمنابت، وهذا الحق بالمواطنة لاصحاب الاصول الفلسطينية له جانب وطني فلسطيني محترم عبر الجانب العاطفي وحمل الهم الوطني، وستبقى هذه الحالة الطبيعية الى حين الوصول الى حل نهائي يعطي للفلسطيني حقه في الاختيار بين هويته الفلسطينية أوالاردنية، لكن المسافة من الان الى تلك اللحظة لا تعني وطنا بديلا او اقامة الدولة الفلسطينية.
فكرة الوطن البديل ينقصها بشكل فعلي تمسك الاردنيين بهوية دولتهم, ونضال الشعب الفلسطيني واستمرار الحياة في اوصاله ووجود سلطته وحكومته والطريق نحو الدولة.
الهجرات ليست حدثا جديدا لتبني عليها بعض الاوساط نبوءات وتوقعات، والواقع السكاني الاردني الذي شهد هجرات عربية ليس مرشحا للتحول الى قنبلة سكانية. فالهجرات جزء من التاريخ السياسي منذ بدايات الامارة، وزخمها الكبير تم في الخميسينات والستينيات ثم بعد الحرب العراقية الايرانية والعدوان الاميركي على العراق عام 1991 و2003.
الحفاظ على هوية الدولة الاردنية والسعي للحفاظ على الهوية الفلسطينية ومقاومة طروحات الوطن البديل واجهاض فكرة الدولة الفلسطينية جزء من الصراع الطويل بين الامة والكيان الصهيوني، وما نعيشه من مرحلة صعبة مرت على الامة والاردن اصعب واخطر من تداعيات هذه الهجرات، لكن المسار السليم والتأكيد الدائم على ان الاردن هو الاردن وفلسطين هي فلسطين ضرورة من ضرورات التفكير الاردني والفلسطيني على حد سواء.
الاردنيون والفلسطينيون كل حريص على هويته ووطنه، ورغم كل تعقيدات التداخل السكاني فالامر ليس خيارا الا لحملة مشروع حل المشكلة الاسرائيلية.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   سميح المعايطة