مجموعة من الأحاديث والسياسات وأشكال التفكير والسيناريوهات يمكن من خلالها قراءة بعض المسار السياسي الأردني وبخاصة في المناطق المشتعلة في محيطنا وتحديداً فلسطين والعراق.
قضية مقتل أبو مصعب الزرقاوي وقبلها اعتقال أحد افراد القاعدة وجلبه الى الاردن ليست فعلاً امنياً محضاً، والاردن الذي ساهم امنياً في قتل الزرقاوي، وقامت اجهزته الامنية والعسكرية باعتقال العراقي الكربولي قاتل السائق الاردني, مارس انتقالاً لعمله السياسي والأمني خارج الحدود، فأي رجل مخابرات او جهاز لا يعمل دون غطاء سياسي، لكن هذين الحدثين يعنيان انتقالاً للتعامل مع التحديات الى الخارج، هذا لا يعني تدخلاً عسكرياً، لكنه طريقة تفكير قد تفتح الافاق لكل الخيارات.
المشكلة العراقية تمثل، اردنياً، ملفاً مفتوحاً على كل سيناريوهات الفوضى والعنف والتقسيم، وهذا حدث يمس الاردن عبر الهجرات السكانية او هجرة العنف او حتى اضطراب لجغرافيا عراقية متاخمة للأردن، وتزيد المخاوف مع قناعات الجميع ان الساحة العراقية أصبحت حديقة خلفية لدول عديدة لتصفية حساباتها مع دول اخرى او لتصدير ازماتها او تأجيل استحقاقات، لهذا فهي ليست شأناً عراقياً داخلياً، بل مناطق نفوذ لدول وقوى سياسية واقتصادية.
الانتقال إلى ساحة الأزمة لم يكن عبر العمل الأمني فقط، بل سبقه دور سياسي في اقناع السنة العرب بالمشاركة في العملية السياسية، وكلها تدخلات تصنف ضمن التفكير الوقائي، وربما نسمع في بعض الاوساط مساحات للتفكير حتى بالانتقال عسكرياً الى ما بعد الحدود اذا ما دخل العراق في حالة فوضى وتقسيم، وهذا السيناريو ليس محل اجماع، وله تكلفة سياسية ومالية وامنية، لكن التفكير بهذا السيناريو امر مشروع، لكنه ليس امراً طارئاً، وكلما اتجه العراق نحو الاستقرار كلما انحاز الأردن الى مساره التاريخي في عدم التدخل.
الأردن لم يشارك عسكرياً في قتل الزرقاوي، لكن العمل الأمني تختلط فيه السياسة والعلاقات، والدور الأمني ليس ضباطاً اردنيين في شوارع المدن العراقية، بل شبكات وعلاقات سياسية واجتماعية، وهذا يعني محاولة اردنية للانتقال الى ساحة القلق لبناء حالة من الوقاية ودرء التهديدات.
واذا انتقلنا الى الملف الفلسطيني؛ فإنّ الامر مختلف والتفكير يحكمه مساران، الأول يؤمن بالانفصال الجغرافي والسياسي لمصلحة دعم فكرة الدولة الفلسطينية المستقلة وباتجاه حماية الاردن من فكرة الوطن او النظام البديل، وكان جلالة الملك واضحاً في تأكيده قبل ايام بأنّ الأردن لن يكون وطناً بديلاً لأحد، وهذا يعني عدم السماح بالاضطراب الفلسطيني؛ لأن يتحول الى فعل سياسي على الأرض الاردنية، وهذا الاضطراب يشمل ايضاً السيناريو الاسرائيلي لخطة احادية تقسم ما تبقى من الأرض الفلسطينية الى جزر معزولة مفصولة عن اسرائيل عبر الجدار العازل، ويعني ايضاً أنّ الأردن ليس له اطماع او ادنى درجات الرغبة في العودة الى التنافس على الأرض الفلسطينية، وانه ارتضى دور الداعم والمتضامن، وليس المنازع على تمثيل الفلسطينيين او حكمهم، وهذا موقف يمثل مصلحة اردنية، فالكونفدرالية او الفدرالية وجه آخر للوطن البديل.
اما المسار الثاني فهو ممارسة اعلى درجات الحساسية من التدخل في الشأن الفلسطيني، لكن علينا ان نفرق بين التدخل والعلاقات، وما يؤخذ على السياسة الاردنية في المرحلة الحالية ان علاقاتها على الساحة الفلسطينية تأخذ مساراً واحداً مع رئاسة السلطة، وهذا قد يفهم في سياق التوافق على خيار المفاوضات لكنه لا يبرر غياب العلاقات مع الاطراف الاخرى.
وما بين الكونفدرالية والوطن البديل سيناريوهات تطرحها اوساط اسرائيلية- اميركية عن دور امني اردني في فلسطين، بخاصة اذا تردت الاوضاع الأمنية او كجزء من حل سياسي، وهذا الطرح غير الاردني يمكن اعتباره أمنية لدى من يطرحها، فالأردن الذي انسحب من تفاصيل الداخل الفلسطيني لن يعود بقوات عسكرية او امنية، والاردن ليس معنياً، ولا دوره حماية الجدار العازل او تأمين غطاء للخطة الاسرائيلية احادية الجانب، هذا اذا سلمنا ان الامر مرتبط بالموقف الاردني فقط، وليس هناك رأي هام للطرف الفلسطيني.
ما يمكن قراءته ان التفكير السياسي الاردني يؤمن بالانسحاب ما امكن عن المشهد الفلسطيني الداخلي وتفاصيله تحقيقاً لرفض الكونفدرالية والفدرالية والوطن البديل وخشية ان يكون اي اقتراب خدمة للسيناريوهات الاسرائيلية، لكن هل يعني هذا رفضا مطلقا لوجود اردني بطلب فلسطيني لتمرير مرحلة انتقالية؟!
ويقرأ ايضاً جرأة اكبر في التفكير باتجاه الاقتراب من المشهد العراقي سياسياً وامنياً وجغرافياً ليس سعياً للنفوذ، بل تفادياً لأضرار وتهديدات قد تمس الاردن من اي تردٍ امني او سياسي او تفاقم العنف والتقسيم وزحف الدول الاخرى لجعل العراق ساحات متقدمة لأهدافها وسياساتها.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   سميح المعايطة