أبناء (الصبرة)
إذا كان من سابع الصعوبات والمحالات فطام الكبير، كما تصرح وتلمح أمثالنا الشعبية وأشباهها، عندما نحاول جاهدين كسر عادة قد تغلغلت فينا حد نخاع العظم وأبعد، فليس هناك أسهل أو أسلس من فطام الصغير، فقد يتم هذا الانفصال بأشكال أولها الخدعة بالقول، واللعب والتسلية، حتى ينسى الطفل الثدي ويسلاه، وأما إن كان متعلقاً بحليب أمه حتى شغاف القلب، فلا بد من دكان العطار، ففيها قد يصلح الأمر
.
في حضرة العطار لها أسماء مخالفة ومغايرة ومتناقضة، إنها (المُرة) أو (الحلوة) أو (الصبرة)، ولكنك بما تناديها، أو تسميها فسيعرف العطار مطلوبك ومبتغاك، وسيناولها لك بسرعة البرق، وسيسألك عن عمر الطفل الذي تنوون فطامه، وسيتحسر عليه إن كان صغيراً أكثر مما ينبغي، وإذا كان الكي آخر العلاج، فالمُرة أيضا آخر أسلحة الفطام، وهي مادة سوداء توضع على حلمة الثدي، وما أن يتذوقها الطفل حتى يعاف أمه من شدة مرارتها وطعمها القاسي | .
ومن اللافت أننا في كلامنا العادي نستخدم المجاز والتوريات كثيراً، فنحن لا نقول عن الأعور أعور بعينه | ، بل نقول إن عينه كريمة، من باب التخفيف والتلطيف، ولكي لا نؤذي الأسماع بوقع الحقائق القاصمة، وكذلك الأمر في المُرة، وهو أسمها الحقيقي، النابع من مرارتها الحنظلية العلقمية، لكننا نادرا ما نستخدمه، بل نتداول اسم (الحلوة) فهو لا ينبئ عن غير السكر | | .
ولكن وعند استخدام الحلوة في دهن الثدي، من أجل فطام الطفل، قد يبرز لها اسم ثالث، وهو (الصبرة)، فقليل من الأطفال المتعلقين بصدور أمهاتهم تراهم ورغم مرارة أفواههم وعلقمتها، يواصلون مص الحليب بصبر لا يحتمله الحجر، فهم يصبرون على المرارة ما استطاعوا السبيلا، ولهذا سميت (الصبرة) | .
كثيرون فطمتهم الأيام بسهولة ويسر، وأنستهم حليب أمهاتهم حتى الحقيقيات، بالكلام واللعب والخداع والتسلية، وقلة منهم فطمتهم بالحلوة فانفطموا، ولكن قلة من القلة صبروا وصبروا، حتى قعر الصبر وأعمق، وظلوا يتجرعون مُرة حبهم لبلدهم ما استطاعوا في التجرع سبيلا، ليبقوا على قيد أمهم، ليسوا أطفالاً رُضّعاً، بل رجالاً يعرفون أن لا فاطمة تفطمهم عن صدر أرضهم، التي منحتهم وطيبها وحليبها ذات وهن، ولو بعلقم الدنيا ومراراتها أو حلاواتها | | .
بقلم رمزي الغزوي
المراجع
addustour.com
التصانيف
صحافة رمزي الغزوي جريدة الدستور
|