الرجل الخمسيني الذي شاركنا عملية انتقاء حباتها من بسطة رأس الحسبة، قال ضاحكاً، إن أولاده الأشرار، لا يحبون البندورة، إلا وهي في العلالي وأسعارها فلكية، بل وتصبح فاكهتهم المفضلة يأكلونها (فغماً) وقضماً كالتفاح. فيما اقترحت علينا سيدة أن نعود إلى (تشريح البندورة) أيام رخصها، لمواجهة فلتان أسعارها.
قد نتباين في تسميتها: طماطم، أو حماطة، أو قوطة، أو بندورة، ويتغزل فيها المحبون، ويدلعونها بفاكهة الثعلب، أو تفاحة الحب، أو الفاكهة الذهبية، وسنتفق أن لا مذاق يعلو مذاقها، ولا رونق يشمخ على رونقها، سيما وقت طيران أسعارها. فلا غرو إن أكلها أولادك كالتفاح يا عماه.
في زمن ما قبل البيوت البلاستيكية، وتقنيات الزراعة الحديثة، لم تكن تتوافر الخضار على مدار العام، ولهذا كان الأردنيون يعمدون إلى تشريح البندورة وتسطيحها، وتجفيفها في الشمس على أسطح البيوت، وحفظها لغير موسمها. ولهذا جاء اقتراح السيدة الفاضلة التي شاركتنا بسطة البندورة، كي نعود إلى تاريخ التدبير، لمواجهة سعرها المتأرجح بين بضعة قروش ودينار ونصف الدينار.
قبل سنتين اقترحت أن نقيم مهرجاناً ضاحكاً عبثياً لبندورة غور الصافي. ولا بد أنكم تذكرون مشهد المزارعين، وهم يدلقون بندورتهم طول الشارع وعرضه، احتجاجاً على تدني سعر سيدتهم الحمراء. اقترحت مهرجانا نتجمع إليه من سائر المدن، لنشعل معاركنا ونتراشق بحباتنا حتى يتدفق نهر (الكاتشب)، علنا نلفت الانتباه لمشكلة مستشرية ومتغلغلة فينا.
ارتفاع سعر البندورة، ليس بسبب حملة التصدير المريعة، التي تشن على سلعة استراتيجية للعائلة الأردنية (بعض ربات البيوت يطلق عليها روح المائدة) هذه الأيام، بل السبب يعود أيضاً، إلى سيادة نظام تسويقي ظالم، لا ولم يخدم إلا التجار الكبار، ويلبي طموحاته اللامحدودة
. فالسياسة التي أوصلتنا حد دلق تعب الناس وعرقهم على الأرض؟ | ، هي التي رفعت سعرها الآن. فكيف سيحتج المستهلكون على هذا الرفع، وهل من مهرجان مضاد يلفت الانتباه إليهم؟ | .
المصريون يطلقون لقب (المجنونة) على البندورة، ليس للونها الأحمر الجاذب لموجات الجنون وأطيافه، كما سيعتقد البعض، بل مجنونة، وبنت مجنونة، لأن لا أحد يستطيع أن يتكهن متى ترتفع أسعارها، ومتى تلين؟ | . فمن يضع حداً لهذه المهزلة، ومن (يُعقلن) مجنونتا؟ | .
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة رمزي الغزوي جريدة الدستور
|