ريش الكاز 

 

وعلى غرار ماري أنطوانيت، التي حثت الفقراء على أكل البسكويت، عندما شكوا لها عدم توفر الخبز؛ اقترح أحد الأصدقاء، عقب دخول هذا المنخفض الجوي البارد، اقترح أن يهاجر الأردنيون مطلع كل شتاء إلى النصف الجنوبي للكرة الأرضية، كما تهاجر الطيور، بحثاً عن مواطن الدفء، فبهذه الطريقة نقلص فاتورتنا النفطية المتغولة. بالطبع ينسى صديقي البطران، أن الفقر ليس له إلا أجنحة من أحلام اليقظة، وهي لا تنفع للطيران بين كنبتين.

وليس بالطرافة نواجه البرد، بل سيبقى للناس في مجابهته طرق شتى، أي أن لكل واحد طريقته في اتقاء شر الذي يسبب كل داء، كم يدعي المثل الشعبي: ففئة قليلة لن تشعر به، ليس بسبب طبقات الدهن المركومة تحت جلودهم فحسب، بلل أنهم يحظون ببيوت دائمة الربيع، وفئة سيواجهونه بلعق العسل، الذي يمدهم بسعرات حرارية تجعل حرارتهم موازية لمدفأة نهمة، والبعض لا يملكون إلا أن يتحسروا على نعيم صيف فات، ويترحمون على لياليه فوق أسطح البيوت، وهم متدثرون بلحاف السماء.

من فوائد الطفر العتيدة، إنه يشجع على التراث ويحييه من مرقده، فكثيرون أعادوا مدفأة الحطب للخدمة، بعد أن أحيلت إلى التقاعد منذ عقود، وهي تعمل على الجفت أيضاً، أو على الكرتون، أو على الأحذية المهترئة، أو الكاوتشوك، أو الزيت المحروق. فالنار تأكل كل شيء وأي شيء: المهم أن ندفئ صغارنا، حتى لو أشعلنا دفوف ظهورنا. هكذا يهمهم الفقراء.

والأغلبية الصامتة من البردانين، ربما سيدخلون في سبات عميق، وينامون متكورين على هواجسهم، وسيحلمون بقصائد الشبع والدفء، وبين القصيدة والقصيدة سينفثون شخيرهم الحار؛ فلديهم من الغيظ ما يكفي لإيقاظ بركان، ومن الحرارة ما يكفي لإشعال شمس نائمة، لكنهم يعرفون -تماما- أنهم في حلم مبلول؛ ما يجعل بارود كلامهم أكثر بللاً، وفتيل احتراقهم مقطوع، ولهذا يندغمون بالصمت ويغمضون عيونهم وينامون على شخير وفير.

وسينبري أخٌ لماري انطوانيت ويقول: الرأي السديد أن البرد تعويد واعتياد، وليس هنالك على الأرض كائن أكثر قدرة من الإنسان على التكيف والتأقلم، ولهذا فأعتقد بأننا بعد سنتين، أو أكثر سنتفاهم مع هذا البرد الشديد، ونعتاده، ويعتادنا ونصادقه ويصادقنا، وقد تمنحنا الطبيعة ريشاً طويلاً، يكفيهم شر غلاء الكاز.

 

بقلم رمزي الغزوي


المراجع

addustour.com

التصانيف

صحافة   رمزي الغزوي   جريدة الدستور   العلوم الاجتماعية