ربحت معلاقاً

 

كانت بعض النسوة المسكونات بخرافات الجن وتلبسهم لبني البشر، وكذلك الخائفات من ضربات العين الحاسدة، يعمدن إلى افتعال الوسخ على جسد الطفل الجميل، فلا يسبلن له شعراً، ولا يغسلن له وجهاً، كي لا يظهر بياضه الأخاذ، بل يتركنه على حاله، ليحتشد عليه الذباب من جهاته الأربعة، وأحيانا يدعنه بلا سروال؛ فيصبح المسكين هدفاً متحركاً ومثيراً لنقرات الدجاج في باحة الدار.

كل هذا كان على سبيل التنفير، أو ما يسمى ب(وسخة الحسد)، إي أن الجن، أو العين التي لا تصلي على النبي، حين تقع على مثل هذا الولد الوسخ، الذي يبدو وكأنه أخذ للتو مرمغة في موقد يفيض بالرماد والسخام والهباب، حين تقع عليه العين، لا تستحليه، ولا تحسده؛ بل تنفر منه، وتهرب عنه.

وكذلك كان يشيع التنفير بالأسماء، فأحياناً كانوا يطلقون أسماء غاية في البشاعة على أولادهم، انتهاجا لسياسة التنفير وفلسفته، وصداً للعين الحاسدة، وربما ما زال بعض رواسب هذه الخرافة ماثلة ليومنا هذا حين نرى حذاء صغيراً يتدلى من سيارة فارهة حديثة، فهذا على سبيل صرف العين عن جمالها.

تذكرت خرافة التنفير، ووسخة الحسد، ومعالجاتها بعد أن أكدت وزارة الصحة مجدداً أنها تدرس تعديل المواصفة القياسية الأردنية للتبغ؛ لتحتل الصورة المعتمدة حالياً (وهي صورة لرئة بشرية تالفة، سوداء مهترئة، بفعل التدخين وبركاته وفضائله)، لتحتل مساحة أكبر على علب السجائر، تصل إلى أكثر من نصف العلبة، إضافة إلى اختيار مجموعة أبشع من الصور المنفرة، ووضعها على علب السجائر بالتناوب: أحلى تنفير.

لا أريد أن أكرر تعداد الإحصائيات الصحية والاقتصادية عن حجم الضرر الكارثي على مجتمعنا من هذه الآفة اللعينة، التي باتت تفتك بنا، ولكني سأسال: هل هذا الإجراء سيحول دون مواصلة المدخنين لنهمهم السجائري؟.

لا أعتقد أن زيادة حجم الصورة البشعة، أو حتى تدجيجها برائحة مقززة، ومذاق مر علقم، سيفي بالغرض، بل ما زال بيد الدولة الكثير لتفعله من أجل تنفير المدخنين، كأن ترفع ضريبة المبيعات على هذه السلعة تحديداً، وتضيق على استيرادها، وترويجها، وبيعها، وأن نحاربها اجتماعيا بشكل جدي وعنيد.

لن تفي الصورة بالغرض، لأن واحداً من المدخنين الأشاوس، صرخ حين اشترى علبة تبغ ملصق عليها صورة لرئة تالفة. صرخة تهكم ساخرة، صرخة قد تنوب عن كل المدخنين أو جلهم: وااااااو. لقد ربحت معلاقاً شهياً. وعين الحسود فيها عود.

 

بقلم رمزي الغزوي


المراجع

addustour.com

التصانيف

صحافة   رمزي الغزوي   جريدة الدستور   العلوم الاجتماعية