الإعدام بالكلاب


لم تدهشني طريقة الإعدام التي ابتدعها سلطان عثماني كان يجرد المحكوم عليه من ثيابه، ويربط في مستنقع بعد أن يطلى بطبقة رقيقة من العسل، ليكون طبقاً شهياً للبعوض الذي سيتسربله كقميص وقناع. مع ملاحظة حرص السلطان على إبقاء واحد من جندرمته يهفهف بمنديل يذب البعوض عن جسد المحكوم عليه: ذكاء.

لكن ما أدهشني، أن وزير ماليته المختلس، قد نجا من حفلة الإعدام، فيبدو أنه عرف معنى مص الدم، وفهم استراتيجية النوم والشبع، ولهذا رجا الجندي ألا يهفهف بمنديله. فالبعوض الذي غطا جسده، سينام بعد أن يشبع، ولن يفسح مجالاً لأسراب أخرى تحلَّ مكانه، لتأخذ مزيداً من دمه، فيما لو هفّ بمنديله: دهاء.

المهم أن السلطان، وبعد أن فهم لعبة الشبع أعاد وزيره لمنصبه، متفهماً أن خزينته تحتاج لمن شبع؛ فلربما ينام، وبهذا لا يفسح مجالاً لسارق جديد يبدأ من أول المص.

لم تدهشني كل الطرق التي ابتكرها الطغاة في إفناء الحياة، ولن يستطع أحد منهم أن يكسر أفق توقعي، فكل ما تتخيله، قد يستخدمونه في طغيانهم وتوزيع الألم والموت على ضحاياهم. إنهم يسخرون ذكاءً جباراً بإفناء كل من يقف بطريقهم.

قبل أشهر أمر الرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ، أن يُعدم نائب وزير الجيش بالهاون، فوضع الرجل بعين هدف المدفع ونُسف، ولا نعلم عيار القذيفة، وأرجح أنها 120 ملم: لاحظوا عقلية الإفناء.

ولأن الإعدام بالهاون قد يبقى خيط لحم هنا أو هناك. أو شعرة علقت في تراب أو حجر، فقد رأى المعتوه، أن يبتكر ما هو أكثر فناءً: الإعدام بالكلاب. ولأن التجربة تليق بالأقربين فقد حكم على زوج عمته أن يسجن عارياً بقفص، ليدخل عليه 300 كلب شرس مُجوّع ومعطّش لثلاثة أيام، لمهمة النهش والقضم والخضم، في حفلة لم تدم ثلث ساعة، تكفلت الكلاب بإقنائه حتى آخر عظمة، وقطرة دم.

وإن كان الوزير العثماني روّض البعوض، ومولاه، فلن يتاح لزوج العمة، أن يفعل شيئاً مع مولاه، حتى لو أتيحت له عشرة أيام يقضيها بإطعام كلابه لحم غزلان، ويلاعبها ويمسد على شعرها ويهارشها؟. فقد يستطيع ترويض الكلاب، لكنه لن يروض عقلية صاحبها.

ولهذا سنسأل بوجع: ما الفرق بين براميل بشار العمياء، المحشوة بالموت، والديناميت والمسامير حينما تنهمر على حلب، ما الفرق بينها وبين كلاب كيم يونغ الجائعة؟. إنها عقلية إفناء حتى آخر قطرة دم، أو شعرة أنف.

 

بقلم رمزي الغزوي


المراجع

addustour.com

التصانيف

صحافة   رمزي الغزوي   جريدة الدستور