كتراب جف سريعاً 

 

اتخنقني خطوط تساوي الضغط الملتوية في الخارطة الجوية في نشراتنا الإخبارية فحسب، بل ما يرفع ضغطي ويكهربني حد الانفجار أنهم يقولون: سيكون الجو لطيفا هذا اليوم. فأين هذا اللطف في هذا الجو التعس؟. لماذا لا تسمون الأشياء بأسمائها. ولماذا لا تقولون سيكون الجو يتيماً بلا مطر. هل تسمون دفء شباط لطفاً؟. والجفاف لطفاً.

أحسني تتشقق نفسي كتراب جف سريعاً تحت لهيب الشمس. أشعر بخيالات سوداء تلازمني، إني أفتقد البرق يتفجر قرب الأفق فيشقق كبد السماء، فتبدو كجذور شجرة طاعنة في التغلغل والعمق. أفتقد البرق وأتذكر حين كنا نعاند أمي ونخرج متسللين إلى شرفة البيت، كي نقتنص صورة مجانية، فنقف متصنمين قرب الحائط، ونبتسم بتوسع الوجه على نحو ضاحك، ونقول بصوت مجنون:(جييييييييييييييز)؛ كي تكون الصورة التي تأخذها لنا كاميرا البرق عامرة بالسرور: مرحى لذاكرة المطر تدغدغنا.

أين طبول الرعد؟، توقظنا من حلم كسول، وتجعلنا نختبئ طي وسائدنا، ونتكور كجنين بدفء لذيذ؟، أين المزاريب (تشقع) مزغردة على عتبة البيت وتفيض وتسيل دفاقة مثل قصيدة عشق؟. أين أزيز حبال الغسيل الفارغة، تلوحها أرجوحة الريح؟. أين أصابع المطر تدقدق على شباك الأغاني، وتجعلني أنفخ غيومي على الزجاج البارد، لأكتب اسماً دافئاً لذيذاً برأس اصبعي، وأمحوه بلساني. ياااااااااااه، كم أشعر باليتم بلاك أيها المطر.

أين قوس قزح يجدله السيل الصغير على جانب الطريق، فتمتزج ألوانه بسلام؟. أتنسى أيها الولد كيف كنت تقضي ساعات ما بعد المدرسة، تحت مظلة المطر كقط مبلول. أين مظلتك التي لم تفتحها حتى الآن. هل ما زلت تضحك على كل من يتلقى مشط المطر بغير رأسه العاري. كم أتوق لقطراتك تروي رأسي بجنون.

منذ شهرين كنا نترك صحن ماء على شباك بيتنا العجلوني. علّ العصافير الصاخبة لا تعود خائبة إلى عطشها. بعد أن جفت الينابيع ولم يبق فيها خيط ماء، وقد كانت فورات تحج إليها الطيور، والفراشات، وأسراب النحل، وقطعان الماعز والخراف. في هذا الأسبوع، قلت للأولاد لا تتركوا شيئاً للعصافير، إن لها رباً سيسقيها ويسقينا.

تقول النظريات العلمية إن ظاهرة الإنحباس الحراري هي التي سببت غياب المطر. لكن صوراً من طفولية عامرة بالبراءة والمحبة، تقول لنا: بل إن الانحباس الضميري، وتبلد مشاعر الناس، وأنانيتهم المفرطة، وعدم شعورهم بأهمية المطر. جعلتنا نقف الآن على شفا حفرة الجفاف والعطش.

 

بقلم رمزي الغزوي


المراجع

addustour.com

التصانيف

صحافة   رمزي الغزوي   جريدة الدستور