مهربات مقربات
عند كل مشاجرة يروح ضحيتها إنسان، نضع أيادينا على دفوف قلوبنا خوفاً وترقباً؛ لأن هذا القتل لا يعني إلا بداية لشر مستطير يتميز غيظاً نستطيع أن نحدد ملامح انطلاقته وبدايته، ولكننا لن نعرف إلى أين سيوغل في العنف، وأية دماء ستهرق بعده، وكم بيتاً سيحرق، وكم عائلة ستشرد بنسائها وأطفالها؟
.
واحدة من مدننا تعيش احتقاناً شديداً، على خلفية مقتل شاب نهاية الأسبوع الماضي، فهي تقف على رؤوس أصابعها وأعصابها تترقب.
أعراف البادية، قبل قيام الدولة، كانت تمنح لذوي المقتول وقتاً للتنفيس عن غضبهم في ما يسمى بـ(فورة الدم)، وهي مدة لا تتجاوز الثلاثة أيام وثلث اليوم، يكون فيها مباحاً أن يثأروا لقتيلهم، وأن يحرقوا ممتلكاتهم، ويردوا الصاع صاعين، وكأنها فرصة لحقن الدم على المدى البعيد، فربما قُتل القاتل، فتنتهي القصة رأساً برأس.
وفي الوقت ذاته، كان يمنح ذوي القاتل فرصة لحماية ممتلكاتهم، وهي فترة زمنية تساوي فورة الدم، من خلال عطوة آمنة أي هدنة تعرف (بالمهربات والمقربات)، يتاح لهم تهريب ممتلكاتهم وحلالهم وأشيائهم الثمينة القريبة لنفوسهم بحماية طرف ثالث، يسمى وكيل الدفا، قبل أن تمتد إليها يد الانتقام.
نستتفه أسباب مشاجرات تقود لإزهاق حياة إنسان. وندين ردود الأفعال التي تعقب هذا الدم، فهي لا تعني إلا مزيداً منه، فالنار لا تكافح بالنار، والدماء لا تغسل بالدماء، فهذا يدخلنا في حلقة مفرغة مفزعة.
للأسف يبدو أننا نمارس إزدواجية عجيبة، ففي الوقت الذي نخول فيه الدولة أن تقوم بالقصاص وإيقاع العقوبات وأخذ الحقوق، نهب لنأخذ حقنا بيدنا، مستجيبين لقانون الغاب ومعطياته: نقتل، ونحرق، ونستبد ونزمجر، ونحتشد على أسس الدم والقرابة، ونشيع الفوضى ونهدم حياتنا ومحتمعنا. وننسى أن على المنتقم دائماً، أن يحفر قبرين | .
نشعر بالأسف على المقتول، وبالحزن مع أهله، ولكننا لا نريد أن نفاقم خساراتنا وحسراتنا. فهل سيقف الدم إن واجهناه بالدم؟ | ، ثم ما ذنب البيوت، وأشجار الزيتون، والممتلكات أن تحرق وتبدد دخانا وهباباً؟ | .
نقدر حالة الغضب التي تتلبس ذوي المقتول رحمه الله، ولكن لنتذكر أننا في دولة يحكمها القانون، وأن مصابك لا يعطيك الحق بتعميق خسارة البلد، بمزيد من القتل والحرائق والاحتقان، وبث مشاعر الخوف وعدم الأمان. وسيبقى السؤال مربوطاًً بقيد الوجع: أين هيبة الدولة، ومن يفرضها؟ | .
بقلم رمزي الغزوي
المراجع
addustour.com
التصانيف
صحافة رمزي الغزوي جريدة الدستور العلوم الاجتماعية
|