دماء الأشجار
كانت القبائل البدائية تختارُ مجموعة من أبنائهم الرواد اليقظين؛ ليقفوا على تلة عالية مشرفة خارج القرية، ليصفِّروا لهم إذا ما دهمهم خطب، أو حافهم ضيم، أو باغتهم عدو.
وها نحن اليوم نستشرف مستقبلاً مؤلماً بائساً، لنعلن كامل صفيرنا الحزين، وفزعنا وإستغاثتنا الموجعة، و(ندبُّ) الصوت عالياً من (قاع) القلب: ألا إنقذوا أخواتنا الشجرات. كي لا يأتي الزائر لعجلون ومعه مظلة تبحث عن ظل بغيابهن: أدركونا فقد إستباحنا العدوان، بكل معانيه.
في مثل هذه الأيام، قبل قرن من الزمان إشتعلت الحرب العالمية الأولى بكل ويلاتها، فعمد العثمانييون على إستباحة (بعضٍ) من غابات عجلون وجرش والسلط، وجزوها جزَّ العشب؛ لتكون وقوداً لها.
واليوم يأتي من دمنا ومن أبنائنا عدوان خطير، يستبيح هذه المرة (كامل) غاباتنا، على شكل عصابات للحطب والتحطيب، يلهثون خلف ثراء حقير، على حساب أكسجيننا، وحياتنا ونقائنا وجمال منطقتنا، بمناشيرهم المجنزة، أمام سمع وبصر الجميع، ودون أن نحرك ساكناً.
إنهم يجتاحون أخواتناا الشجرات، بكل دم بارد، ويبددون دماءها في الآفاق جهاراً (بالظهر الحمراء). إنها حربهم الضروس ضد الحياة، وضد كل شيء أخضر. فما هي عجلون ودبين دون شجرها؟
.
وإذا كانت العرب قد سمّت السنة القحط المجدبة بسنة الضبع، فإن سنتنا هذه تستحق تسمية سنة (الضباع المسعورة)، فقد تواكبت المصائب علينا، إبتداء من شحِّ المطر، إلى تكسير الشجر، وليس إنتهاءً بضباع تحطيب تجول وتصول، وكأن الأمر (فلة حكم). فصار الحطب يباع بالشوارع، ولأول مرة يصدر الفحم من بلد لا يملك إلا أقل من 1% من مساحتها القاحلة غابات. فأين الدولة؟ | .
بكل وجع وإحساس بالغيرة والمسؤولية، أطلقنا أول أمس (الحملة الإنسانية لحماية ما تبقى من غاباتنا)، فحماية الحياة واجب أكثر من وطني، وإن لم نتدارك الوضع سريعاً؛ فستنضم عجلون وجرش وإربد وزي والعالوك إلى قواحل الصحراء، دون قلب يحزن أو عين تبكي.
ندين كل الذي تلطخت أياديهم بدماء الأشجار، ونستعجل القصاص العادل بحقهم، وهم معروفون لدى الجهات المعنية، وندين بالتوازي كل أشكال التخاذل والتهاون في تطبق القانون، وحماية هذه الثروة.
ولأن الدول الواعية حين يمسها خطر بليغ، تعلن حالة الطوارئ، فإننا نطالب بإعلان حالة طوارئ خاصة، تسندُ فيها مهمة حماية أخواتنا الشجرات لقواتنا المسلحة الباسلة، فلا سبيل لوقف هذا الإنتهاك، إلا بتدخل جيشنا الباسل، فيحدث أن يكون العدوان داخلياً.
ونطلب من المشرعين تغليظ العقوبة على كل مافيات التحطيب، ونهيب بكل إنسان يقدّر معنى الأخضر، ويجل الحياة أن يكون لسان ويدَ هذه الحملة، التي ستتواصل ويتصاعد صفيرها، حتى نعيد الأمن لأخواتنا الأشجار.
بقلم رمزي الغزوي
المراجع
addustour.com
التصانيف
صحافة رمزي الغزوي جريدة الدستور العلوم الاجتماعية
|