صرخة كليوبترا

هل كان في بال العالم، عندما جعلوا هذا اليوم يوما عالميا للكتاب. هل كان في بالهم، أن يقدموا اعتذاراً بائساً عن كل الجرائم، التي ارتكبت بحق الكتب والكتّاب عبر العصور؟. فهل ننسى الشاعر الصوفي الحلاج، وكتبه المسجورة في التنور، أم ننسى رماده المنثور من فوق المآذن في بغداد؟.

أم يحق لنا أن ننسى كتب ابن حزم المُلقمة لنيران الحقد في أندلسنا الغابرة؟، أم أن تحديد يوم للكتاب، هو إعلان مبطن لموته أو احتضاره، أو تهميشه في الحياة؟.    

إذا كان العالم الشهير (أرخميدس) قد خرج عارياً من الحمام صائحاً: يوريكا يوريكا، أي وجدتها وجدتها، عندما خطرت له فكرة الوزن الظاهري للأجسام المغمورة في الماء، فإنني ما زلت أصيخ السمع لصرخة كليوباترا المدوية، من شرفة قصرها: مكتبتي مكتبتي، بعدما أكلت ألسنة النيران ما يزيد عن 700 ألف كتاب، عام 48 ق.م على يد يوليوس قيصر، الذي أحرق أسطول أعدائه، فانفلتت النيران والتهمت مكتبة الإسكندرية العريقة.                           

ورغم عدم محبتي للتعميمات، إلا أن البنط العريض في الإحصاءات ما زال يسيطر على المشهد بكاملة ويفرض صورته البائسة: فأمة اقرأ لا تقرأ، والكتاب العربي في حالة يرثى لها، بعد انحسار دوره في الحياة الاجتماعية والثقافية، فقد صار لكل (100000) مواطن عربي نسخة واحدة فقط، من كلِّ كتاب جديد، وكل ما يستهلكه العالم العربي من ورق في طباعة الكتب، لا يتجاوز ما تستهلكه دار نشر أوروبية واحدة.

ولا تعجبني حجة المتحججين بالإنترنت وبالكتاب الإلكتروني، لأن الكتاب الورقي ما زال يسيطر على المشهد الثقافي العالمي، وما زال خير جليس في الزمان غير العربي، وما زال يصدمني تبجح واحد من خريجين جامعاتنا المحلية، بأنه دخل الجامعة، وتخرج منها ولم يزر مكتبتها أبداً.

يوم الكتاب، هو دعوة لتمتين صلتنا به، حتى في هذا الزمن الذي يبدو فيه أن التكنولوجيا قد طغت على متعة احتضان كتاب، أو النوم الجميل، وهو بين اليدين فوق الصدر، أو أن تجلس طفلتك في حجرك، وتدعها تقرأ وجهك بأصابعها المدغدغة، وأنت تقرأ لها قصصاً أو أغاني وحكايات، فبهذا نغرس في أولادنا بذرة القراءة وحبها وهم في سن الحليب.

 

بقلم رمزي الغزوي


المراجع

addustour.com

التصانيف

صحافة   رمزي الغزوي   جريدة الدستور