مع كل مرحلة توتر وأزمة وعدوان صهيوني على الأراضي الفلسطينية، بما فيها العدوان الأخير، يأخذ الطرف الاسرائيلي (حقه!) كاملاً في العديد من الفضائيات العربية التي تقدم للمستمع العربي مسؤولين اسرائيليين وناطقين باسم الحكومة او الخارجية الصهيونية او حتى جيش الاحتلال، اضافة الى من يسمون محللين سياسيين يطلون على الجمهور العربي باعتبارهم اصحاب رأي (موضوعي) يحللون لنا طبيعة الموقف الاسرائيلي ويبررون القتل والحشد العسكري والحصار والقتل، وكل هذا يتم بحجة الموضوعية والمهنية والرأي الآخر، وتحت مبرر تقديم الصورة الشاملة للحدث، فالعدالة بين القاتل والمقتول تعني لدى هؤلاء من قادة هذه الفضائيات سواء كانوا قوميين او قُطريين او اسلاميين نوعاً من المهنية.
المفارقة ان التلفزيونات العربية الرسمية لا تفعل هذا بما فيها شاشات الدول الموقعة لاتفاقات مع اسرائيل، ولا نشاهد على هذه الشاشات ناطقين باسم جيش الاحتلال يشتمون المقاومة ويتحدثون عنها باعتبارها ارهاباً وعصابات قتل، ويقدمون لمئات الملايين عمليات العدوان او القصف على انها رد فعل على (إجرام!) الشعب الفلسطيني، وان هذا الجيش مسالم لولا انه يضطر للدفاع عن نفسه امام هجمات الارهاب الفلسطيني.
فهل المهنية والموضوعية تقتضي ان تفتح شاشات بعض الفضائيات العربية للصوت الاسرائيلي العدواني، واعطاء المحتل مساحات من الصوت والصورة للدفاع عن نفسه وتقديم وجهة نظره وتبرير عدوانه. فإذا كان هذا المحتل يحرم الناس من حق الحياة عبر القتل والاغتيالات والاجتياحات، ويحرمهم الطعام والشراب والدواء والكهرباء والطفولة، ويحرم الشعب الفلسطيني من حقه في الاستقرار والدولة، بل ويحرم المنطقة من الأمن، فهل بلغنا نحن العرب عبر بعض الفضائيات الى حدود من "العدالة" والموضوعية ان نتغاضى عن كل هذا وتقديم مبادرة حسن نوايا نحو اسرائيل بإعطائها مساحة تساوي مساحة ما يعطى للمقتول والضحية؟! وهل بلغنا درجة لا تمارس في كل العالم من الحرص على الرأي الآخر حتى لو كان رأي من يراه الجميع قاتلاً معتدياً مجرماً بحق كل الامة؟!
وتخيلوا لو ان تلفزيوناً رسمياً لدول عربية موقعة على معاهدة مع اسرائيل استضاف الناطق باسم جيش الاحتلال ليشتم المقاومة ويتهمها بالارهاب، او ليقدم دفاعاً عن القصف الجوي وقطع الكهرباء والغذاء والدواء، فعندها سنسمع الكثير من النقد بحجة ان هذا تطبيع مع المحتل، او باعتباره تجاوزاً لدماء الشهداء والجرحى، لكنّ اوساط عديدة تمارس مجاملة او ما هو اكبر من هذا لما تقوم به بعض الفضائيات؛ لعله حرص على استمرار العلاقة معها لغايات الاستضافة، او ربما لمعايير مزدوجة، او ربما لأن للتطبيع والقفز عن دماء الشهداء تعريفا خاصا لكل دولة او محطة او مرحلة، فهو تطبيع في مكان وحرية رأي وتعددية في مكان آخر.
فرق بين الشمولية في تغطية الخبر والحدث، وبين فتح ابواب الفضائيات لقادة جيش الاحتلال ومسؤولي الحكومة الاسرائيلية، ولو كان الامر نقاشاً حول الانتخابات في اميركا او بريطانيا او الارجنتين لقيل بضرورة الحياد؛ لكن هل بعض الفضائيات العربية ترتضي ان تكون طرفاً محايداً في حرب ظالمة ضد شعب اعزل واطفال لا يجدون الدواء وعائلات لا تتوفر لها اساسيات الحياة؟!
وهل التغطية الإخبارية المباشرة والمتابعة لتفاصيل الأحداث ثمن مقابل اعطاء القاتل هذه المنابر لتبرير إجرامه؟! وعلينا ان نتذكر انه كلما زادت دائرة مشاهدي اي فضائية كان لفتح ابوابها لقادة جيش وحكومة الاحتلال اثر كبير واهمية اكبر.
رحم الله زمناً كان العتاب يأتي لصحيفة او صحافي اذا لم يقل كيان الاحتلال وقال اسرائيل، لكننا الآن نعطي لقادة وجيش الاحتلال منابر عربية، اما من كانوا حراساً على المصطلحات فهم صامتون امام هذا الواقع. فهل تغيرت اسرائيل ام تغيرت الأجواء ام هي الانتقائية والمعايير المزدوجة؟!

المراجع

alghad.com

التصانيف

صحافة   قصص   روايات   فنون   كتب   روايات وكتب ادبية   الآداب