حشرات سياسية

 

العرب لا يصلح لهم إلا ما يصلحُ للإبل، فقد أفادوا منها، وتعلَّموا بقدر ما خدمتهم في طعامهم وتنقلاتهم، فكثير من الأشياء التي تخص الإبل سحبت ونقلت إلى بني الإنسان، فالجمل قد تصيبه (النعرة)، وهي ذبابة زرقاء نشيطة تعضّه وتجعله من شدة الألم يرفع رأسه كالمتكبر، وتجعله نزقاً غضوباً حروناً: ألا ترون معي، أن النعرة تضرب الدول والكيانات والطغاةً ؟

وإذا كانت الإمبراطوريات تموت بالتخمة -كما نوه لذلك نابليون- فإن بعض الدول تضمحل بطغيانها وتكبرها وتجبرها، وتصعّر خدها للناس (والصعر أيضاَ هو داء يصيب البعير؛ فيجعله يلوي عنقه، ليبدو كالمتكبر)، فتراها تمشي على سجادة الشعوب المسحوقة مرحاً، كأنها تريد أن تخرق الأرض، أو أن تبلغ الجبال طولا.

في ذات حشرات الألم تدخل في أنف الجمل حشرة مزعجة تسمى (الخنزوانة)، تجعله من وجعه يشمخ بأنفه عالياً، وكأنه يتيه كبراً وتعجرفاً، لذلك قالت العرب عن المتكبر: إن في أنفه خنزوانة، وفي رأسه نعرة‍‍‍.

وفي مواسم الحراثة، كان البقر يرزخ تحت (النير)، ويكابد (منساس) الحرّاث، والمنساس هو مسمار لوخز البقر وحثه على الحراثة، وفوق هذا كانت هناك حشرة طفيلية لئيمة، تشبه النحلة تسمى (القيقوبة)، تحطُّ على جسد البقر، وتمص دمه، وتؤرق نهاره، فتسبب له جنوناً شديداً، وتشعل فيه ثورة عارمة، وهروباً شرساً، فيهرب ويثير وراءه الغبار، ويرفس من يواجهه، ويقطع أقوى الحبال، ويخلع أعتى الأوتاد، ويظل عليه جنونه هذا حتى يلوذ في ظل شجرة، أو حائط فيهدأ، وهذه الحالة من هياج البقر تسمى قيقوبة البقر.

حطَّ على إسرائيل سرب من النعرات والحشرات، ودخل رأسها آلاف الخنزوانات، فصعّرت خدها ليس علينا فقط، بل على العالم وقوانينه وبروتوكولاته، وكأن ما من دولة كيان شاطت وتطاولت في العلو والطغيان، إلا ظلت ودامت ولم تزل الدنيا دولا، من سره زمن ساءته أزمان، وتنسى إسرائيل ومن ورائها أمريكيا، أن الوهم الزائف لحضارة القوة لن يتغلب على قوة الحضارة.

النمرود من قبلهم تكبير وتجبر، فكانت نهايته لائقة: فقد دخلت في رأسه حشرة نشطة، عن طريق الأنف، جعلته يتألم ويتلوى، ولا يهدأ عليه ألمه، إلا إذا ضُرب بالنعال، ألا ليت لنا نعال صالحة لضرب من تكبر علينا وتجبر، فإلى متى نبقى حفاة؟.

 

بقلم رمزي الغزوي


المراجع

addustour.com

التصانيف

صحافة   رمزي الغزوي   جريدة الدستور