جمرة عجلون

 

ينجو الثعبان ذو الذنب المقطوع إذا ما سلم من النمل. فهو عدو الجروح المفتوحة، والقروح الخضراء الدامية. فالنمل يجيِّش نفسه كسيل يهجم على جرح الثعبان الفاغر ينقب بنهم لحمه ذرة ذرة، ويبقية سلسلة عظم في مهب الطريق. ولهذا على الثعبان، أن يتعلم صامت الحكمة، ويخبئ ذنبه المبتور في فمه، لشهر أو أكثر، حتى يبرأ .

لن تنفعنا حكمة الثعبان مع فتنة عجلون، وشجرها المحروق بنار الغضب والعنجهية والزعرنة. لن تنفعنا تلك الحكمة المهادنة، ولو خبَّأنا جراحنا بأفواهنا دهراً كاملاً، بكل قهر وصمت واحتراق داخلي يغلي الدماء فينا كبركان مراهق. لن تنفعنا تلك الحكمة ولا نريدها، فلا مناص من هجوم نملي ينقبنا ذرة ذرة، ويذرنا سلسلة غبار لمهب الحريق.

إذا كان مطر أيار أخمد وأطفأ جذوات أشجارنا المحترقة بنار الاستقواء على الدولة وسيادتها، فإن جمرة ما زالت بحشاشة القلب تتلظى، أخبئها بفمي؛ فتحرقني، وتذرني حطام يأس في مهب الكلمات. جمرة أقرؤها في وجوه الناس سؤالاً حجرياً يرجمنا: إلى أي عصر من الجاهلية الجهلاء نتقهقر، كي نحرق بلدنا بيدنا؟: أخ يا بلد.

لا نريد حكمة الثعابين البالية. ولا نريد ظلالها تسيطر على تفكيرنا القاصر، ويدنا المرتجفة مع من يسبب جروحنا وقروحنا. بل نريد حكمة الأجداد مع الثعابين والحيايا التي تنهشنا وتنكزنا وتلدغنا كلما دق الكوز بالجرة. نريد حكمتهم حينما طلبوا منا ألا نضرب الذيل وندع الرأس. فالأفعى رأس. وعليك أن تصوب وتصيب رأس المشكلة.

جمرة عجلون هي جمرتنا كلنا من العقبة للرمثا. جمرة بأفولهنا. لن يبردها حتى لو جأرنا بسؤال ناري كتنانين: أي استقواء هذا؟، وأي ضعف وصلناه؟، وخضناه وعشناه؟. وأي ثقافة هذه التي تجعلنا نعتقد أن وطننا هو بيتنا فقط. وأن ما هو خارج أسواره مشروع للحرق أو النهب أو التكسير؟.

أدمتنا أشجار عجلون المحروقة. كما أدمتنا أشجارها المقطوعة بمناشير تجار الحطب ومافياته. ولو أنهم حطبوها؛ لكان الأمر أهون. فهم معتادون على التحطيب تحت سمع وبصر الجميع؛ ولهذا لم يرجف لهم جفن وهم يضرمون نارهم في قلوبها وقلوبنا: ففي الحالتين غياب ليد تضرب رأس الافعى.

فكيف للذين إمتدت أياديهم لأختهم الشجرة فأحرقوها، أن يمروا في الشوارع ويروا جثثها ماثلة للسواد؟. فإن قصرنا على الطريقة المثلى للتعامل مع الثعابين ورؤوس الشر. فلا يفوتنا أن نصرخ بوجههم: الثعبان لا يعض بطنه. فكيف تحرقون أختكم الشجرة، ووهي بطنكم، ورئتكم، وقامتكم نحو السماء؟؟.

 

بقلم رمزي الغزوي


المراجع

addustour.com

التصانيف

صحافة   رمزي الغزوي   جريدة الدستور