دبدبةُ المناسف

 

كان يُعتقدُ في العصور الوسطى أن الدببة، التي تختفي في ضيق الشتاء وبرده؛ لتدخل سباتها الطويل، بأنه تموت لتولد من جديد، في باكورة الربيع. ورغم هذا الغباء القريب المريع، إلا أن أحلام البشر وذكاء أمنياتهم، ظلت تسبقُ العلمَ، وتتفوّق عليه، بمسافات، وتقوده من ياقة قميصه. وإلا كيف وجد (أبو الهول) جامعاً جسم الأسد لرأس إنسان، أو تمثال بابل المجنح مزاوجاً قوة الثور بسرعة الصقر. يحق لأحلامنا أن تقودنا أو تسوقنا.

يحق لها أن تتمنّى لنا صبرَ جملٍ، ودأبَ نملةٍ، ويقظة تمساح، ونشاط نحلة، وحرص سنجاب، وتجدّد أفعى، وعمر سلحفاة، وبلادة صرصار. ويحق لنا دائماً، أن نطلق أجنحة خيالنا؛ للدمج بين الأشياء، أو تطعيمها، وخلطها.

ويسرني أحياناً أن أشتهي جزراً مُفرولاً (أي بطعم الفراولة)، أو تفاحاً ممشمشاً، أو حليباً مشكلطاً. وأحيانا يحق لنا في حضرة طعام نحبه، أن نتمنى شهية دُبٍّ خارج للتو من سباته، دون خشية من سطوة للدهون، أو خوف من عثرات الشرايين وتصلبها.

نتشابه مع الدببة، ليس في سبات عابرٍ للفصول، يدخله بعضنا أحياناً. بل الدبُّ يقدر أن يمشي على قائمتيه الخلفيتين، ويستطيع أن يقترب دون أن تحسَّ به، كحرامية الزمن الخجول. ولكنك إن دققت النظر في قدميه؛ فستجد الاثنتين شمالاً. أو يميناً.  

وإن كان صعباً عليك تصوّر حذاء، لهذا المخلوق العجيب، فسيسهل عليك أن تدرك أن نصف جسمه دهون، ولهذا كان يُصنّفُ في فصيلة الفقمات. ورغم كسله، وقلة حركته، ونومه الطويل، وابتلاعه اللحوم المدهنة؛ إلا أننا لم نسمع عن دبٍّ ضربته جلطة دموية، أو همزته سكتة دماغية، أو أن شرايينه تصلبت وقست، ولهذا تمنّى أحدهم، ذات منسف متللٍ، لو أنه دبٌّ لإجتاح كامل السدر بلحمه وشحمه.

تلك الحقائق العلمية جعلت الباحثين يتساءلون عن سبب عدم تأثير السُّمنة على الدببة، ثم ليكتشفوا وجود جينات متحولة في حمضها النووي، تساعد فى عدم انسداد الشرايين، والحفاظ على سلامة القلب والأوعية، ويأمل الباحثون فى أن يساعد فهم آلية عمل هذه الجينات؛ لتطبيقها على الإنسان.

لن أربط بين سُمنة البنات في مجتمعنا (نحن في المرتبة الثانية عالمياً بعد مصر) وحبهن للدباديب الحمر؛ فذلك شأن يختصُّ به عيد الحب. ولكني أتمنى أن يعجّل العلم، ويقدم حلاً جينياً لبلد يزداد دمه حلاوة (السكري)، ويتفاقم سمنة ودهوناً. بلدٍ ما زال يسبت مدبدباً في ثقافة (منسفية) ستهلكنا: اللهم احمنا من منسفنا و أنفسنا.

 

بقلم رمزي الغزوي


المراجع

addustour.com

التصانيف

صحافة   رمزي الغزوي   جريدة الدستور