الخطوة الاولى التي سيبدأ بها ملتقى البحر الميت "كلنا الاردن" هي تحديد اولويات الاردن خلال السنوات القادمة، وهنا لا نتحدث عن استراتيجيات بمفهومها النظري، وانما عن اولويات بصياغة سياسية حتى في القضايا ذات الطابع المهني والفني في مجالات الاقتصاد والعلوم.
ولعل المراحل والازمات والاحداث السياسية الاخيرة تكشف بوضوح عن الحاجة الى التعامل مع بعض الملفات والقضايا بصراحة بعيدا عن أنصاف الآراء وأرباع المواقف، ولعل هذه المشكلة تقف وراء الأزمات بين السلطة التنفيذية والاحزاب وقوى سياسية واجتماعية. فالمجاملات كانت تطغى في اللقاءات العامة، أما الجلسات المغلقة فتحفل بالصراحة بل والمبالغة فيها، لهذا كانت القلوب مليانة والقناعات، التي لا تقال، تتناقض مع الخطاب المعلن.
هنالك حالة من عدم الثقة والريبة والشكوك تحكم العديد من العلاقات المهمة داخل اوصال الدولة تظهر بين الحين والآخر. لكن حل المشكلات الناجمة عن هذه الحالة يتم بطرق شخصية او ودية او بأنصاف حلول، فالاولوية ان نعالج قضايانا المفصلية بصراحة ووضوح وطني وباتجاه تحقيق هدف كبير وهو عدم دفن المشكلات مما يؤدي الى تراكمها وتجذرها.
اذا تحدثنا عن اولويات فربما يكون أبرزها عملية اعادة تعريف العلاقة بين قوى سياسية واجتماعية واقتصادية مع الوطن وليس الحكومة. هذه العملية قد تكون من الاولويات لأن هناك خللا في بعض العلاقات، وهناك لجوء الى العموميات او المصطلحات الفضفاضة للهروب من المواقف الواضحة، ونتحدث هنا عن النظرة الى الدستور؛ النظام السياسي الاردني، هوية الدولة وثقافة المجتمع، وهنالك امور مستجدة فكرية مثل الارهاب.
ومن الاولويات البحث عن كل الوسائل الممكنة لتقوية ما اصابه الضعف والوهن بين المواطن ومؤسسات الدولة، ونتحدث هنا عن المصداقية والثقة، والشعور بانتماء المسؤول الذي يترجم الى انجاز، والكفاءة تجعله قادرا على تحقيق هذا الانجاز.
في هذا السياق من الضروري اعادة الاعتبار لموقع الوظيفة العامة العليا ابتداء من المواقع الحكومية وما هو ادنى منها، واعادة الاعتبار لمواصفاتها التي اصابها الخلل وعبثت بها المعايير السلبية، واهم نتائج ذلك انخفاض قيمة المنصب لدى المواطن العادي. فلم يعد الوزير مثل وزراء زمان، ولا المديرين ولا الامناء وغيرها من المواقع العامة.
واذا كان الملف الاقتصادي يفرض نفسه علينا فإن في تفاصيله امورا تفرض نفسها. أهمها إنقاذ راتب الوظيفة الحكومية الذي تضعف قيمته يوما بعد يوم حتى اصبح قريبا لرواتب المعونة الوطنية، وهنا لا نتحدث عن حالات فردية بل عن حوالي (200) الف عامل في القطاع العام، يمثلون طبقة تعتمد في حياتها على الراتب وليس لها مورد اخر.
وفي تفاصيل الملف الاقتصادي تبدو مشكلة الفقر والبطالة هي الأهم، واشير هنا الى اولوية البحث عن مسار يصل الى نتائج ولا يكرر محاولات سابقة ومؤتمرات لمكافحة البطالة او مشاريع سوقتها حكومات باعتبارها مدخلا لحل الازمة، لتكتشف بعد ذلك ان الامور على حالها، اي ان الاولوية تتمثل بإعادة المصداقية لمحاولات مكافحة الفقر والبطالة.
وفي الملف ذاته هنالك ملف يرحل من عقد الى آخر وهو العدالة في عوائد التنمية بين المحافظات، والاستدراك ما امكن للبحث عن تحويل محافظاتنا الى بؤر للتنمية الاقتصادية، وإنصاف اهلها، ووقف تحول الكثير من المناطق البعيدة الى مراكز استقبال للمساعدات الخيرية او بؤر شديدة الفقر كما تقول دراسات وزارة التخطيط.
وفي تفاصيل الملف هنالك قضية القطاع الزراعي الذي قالت الحكومة السابقة في بياناتها عبارة جميلة "اعادة الاعتبار للقطاع الزراعي" كقطاع اقتصادي اجتماعي سياسي، وفي التفاصيل الكثير مما يقال.
واذا عدنا للإطار السياسي وتحديدا الإصلاح فإنّ الأولوية ليست بأن نتفق او نختلف على الإصلاح وضرورته بل على تحديد مسار الإصلاح الاردني؛ اي ما الذي نريده كدولة من اصلاح في ظل ظروفنا الداخلية والاقليمية وتداخلنا الداخلي الاجتماعي والسياسي.
وبشكل اكثر وضوحا فإن السلطة التنفيذية تتعامل بخجل ليس مع فكرة الاصلاح، بل مع المسار الذي نريد، ومثال ذلك قانون الانتخاب، ولتكن الاراء صريحة واضحة: ما هي الحدود التي يمكننا ان نذهب اليها في اي قانون قادم في ظل المعطيات السياسية الحالية؟ فإذا حددنا هذه المعطيات والشروط يمكننا ان نقترب بوضوح من الهدف. لكن هنالك خجلاً من قبل الحكومات ولجوءا للتعميم، ولدى اصحاب القرار تحفظات ومخاوف ومحددات، لا تظهر الا على شكل تردد وشراء للوقت، لهذا فالاولوية ان نتفق على مصالح الاردن التي لا يمكن الحفاظ عليها من دون خطوات اصلاحية، وهذه الاولوية اذا اتفقنا عليها يمكننا انهاء حالة الجدل والخوف والتردد وما ينتج عنها من احكام على نوايا الاصلاح وما يتم انجازه.
وفي سلم الأولويات ان يكون ما يتم الاتفاق عليه من أولويات يمثل اولويات المرحلة القادمة، مع ادراكنا ان التغير الهائل فيما هو حولنا يجعل ثبات الاولويات صعبا احيانا.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   سميح المعايطة