لم تكن مشكلة الكيان الصهيوني يوما في البحث عن شرعية دولية او اقناع الرأي العام عندما يقوم بأي عملية عدوانية على ارض عربية، إنما مشكلته الحقيقية في تحقيق اهداف عدوانه وقصفه، او اي احتلال يقوم به. فالشرعية تتكفل قوى اللوبي الصهيوني والولايات المتحدة في البحث عنها، لكن الانجاز والنجاح امر يرتبط بعوامل اخرى.
اختطاف الجنود الصهاينة من قبل المقاومة الفلسطينية او اللبنانية ازمة ليست لجيش الاحتلال، بل للسياسة الاسرائيلية؛ فحكومة اولمرت ترفض التفاوض من اجل اطلاق سراح الجنود مقابل اسرى في سجونها، وهذا يخلّف مشكلتين اساسيتين: الاولى، ان قوى المقاومة ليس لديها ما تخسره، وبالتالي لن تخسر معركة الاسر لاطلاق سراح الجنود من دون مقابل حقيقي. والثانية، ان اي جهود دبلوماسية وضغوطات عربية او دولية لن تجد استجابة، والسبب ان حماس وحزب الله ليس لهما مرجعيات عربية من منظومة الدول التي تؤمن بتسوية الامر عبر حلول وسط، والدليل ان الوساطة المصرية لحل مشكلة جندي غزة فشلت. فالدول التي تمثل مرجعيات لهذين التنظيمين، او تربطها بهما علاقات قوية ليست معنية بحل المشكلة الاسرائيلية، وترى في التصعيد ضرورة لحسابات الصراع في المنطقة.
وحتى السلطة الفلسطينية والحكومة اللبنانية لا تملكان التأثير على قرار حماس وحزب الله. وبهذا، فان اسرائيل ستجد نفسها في مأزق باتجاهين: التفاوض والاستجابة لشروط قوى المقاومة، او تجاهل هذه القوى وممارسة العدوان والقتل والقصف الذي قد لا يحل ازمات اسرائيل، ولا يعيد الهيبة المفقودة لجيشها ومؤسستها السياسية.
وما يجري من عدوان وقصف اسرائيلي على الشعب اللبناني وطرقه وجسوره ومؤسساته الخدماتية، محاولة لتجاوز المأزق الاسرائيلي، ولتكوين قناعة لدى الشعب اللبناني ان المقاومة بعملياتها ضد الاحتلال تقف وراء هذه المعاناة، وان ثمن خطف الجنود والقيام بعمليات عسكرية هو استقرار حياة الناس. ولهذا، عمدت إسرائيل الى حصار بري وجوي وبحري لعزل لبنان، ووضع كل الشعب اللبناني في محنة. ولعل اسرائيل تراهن في هذا على الخلافات السياسية اللبنانية حول سلاح حزب الله، لكن هذا الرهان لن يكون دقيقا، وبخاصة في فترة العدوان والقصف والقتل. فرغم النقد الذي وجهته بعض القوى اللبنانية لانفراد حزب الله بالعملية العسكرية، الا ان هذا لم يمنع اشد خصوم المقاومة من اعلان التوحد ضد العدوان الصهيوني، وتأجيل التناقض الداخلي الى ما بعد نجاة لبنان.
مشكلة حكومة اولمرت الحقيقية انها تحاول اثبات قوتها امام المجتمع الاسرائيلي، لإقناعه بانها قادرة على توفير الامن له، لكن هذا لم يتحقق؛ ليس فقط بسبب الصواريخ التي وصلت الى مدن في عمق كيان الاحتلال، بل لان طبيعة المجتمع الصهيوني انه مسكون بخوف وقلق وريبة. واستمرار العمليات العسكرية، حتى لو كانت بعيدة عن عمق اسرائيل، كفيل بتوفير حالة قلق وخوف كبيرين. والامن لم يتحقق للاسرائيليين نتيجة قصف غزة وقتل الابرياء، ولا بالعدوان على لبنان وشعبه.
وربما يكون اللجوء الى التفاوض لتبادل الاسرى كفيل بحل بعض مشكلة اسرائيل، إذ يثبت التاريخ ان فكرة اعادة احتلال جنوب لبنان او حتى غزة ليست في مصلحة اسرائيل، وان العمليات العدوانية الحالية لن تستمر الى فترات طويلة، وأن على إسرائيل في النهاية البحث عن حلول حقيقية، وقد تجد نفسها في المحصلة امام خيار واحد هو التفاوض غير المباشر عبر وسطاء من دول غربية، الا اذا ارادت اللجوء الى الخيارات الصعبة التي ستجر المنطقة الى حالة عدم استقرار، عبر توجيه ضربات لايران التي تتهمها اسرائيل بدعم حزب الله، او لسورية التي تعتقد اسرائيل انها المحرض على عمليات الخطف والمستفيد منها.
ولعل الجديد في العدوان الاخير ظهور مواقف عربية باتجاهات غير عادية، مثل الموقف السعودي الذي اعلن انه ليس ضد المقاومة في لبنان وفلسطين، لكنه حمّل حزب الله مسؤولية الازمة، وطالبه بالافراج عن الجنديين الاسرائيليين. وهذا الموقف يعني قناعة لدى اطراف عربية بان الازمة الحالية ليست لمصلحة لبنان، وانها جزء من حسابات اقليمية، الأمر الذي يمثل ضغطا على حزب الله، وتقوية لمواقف القوى اللبنانية التي انتقدت عملية الأسر باعتبارها قرارا منفردا لحزب الله، ادخل كل لبنان في المواجهة.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة