لم تكن الخلافات والاستقالات الاخيرة في حزب الوسط الاسلامي المحطة الاولى من محطات الجدل في مسيرة هذا الحزب، فقد سبقتها بعض الاستقالات لمجموعة من الشخصيات او انسحابات هادئة بعيدة عن الصخب، لكن المحصلة تشير الى ان هذا الحزب فقد الكثير من عناصر وجوده وحضوره.
فكرة الحزب كانت محاولة لبناء عمل اسلامي سياسي في خط مواز لعمل الاخوان المسلمين، وكانت اصول الفكرة تقوم على مجموعة مآخذ وملاحظات على عمل الاخوان وحزب الجبهة، ومحاولة بناء حزب سياسي اردني وسطي يمارس العمل السياسي الاسلامي من دون تبعات العمل الدعوي المباشر. وكان اصحاب الفكرة الاصلية لا يرون في ايجاد حزب اي محاولة لمناكفة الاخوان، او حتى ان يكون الحزب الجديد بديلا عن الاخوان، وهذا ليس تواضعا فقط بل قناعة كانت حاضرة لحظة التأسيس، ولأن اي حزب جديد لن يكون حاملا لمسار دعوي كما هم "الاخوان"، كما ان فرق التجربة والتاريخ والامتداد الشعبي يجعل من العبث التفكير وفق قاعدة البديل.
ربما يتذكر البعض ان التحركات الاولى لبناء حزب اسلامي جديد كانت في فترة قرار الاخوان بمقاطعة الانتخابات النيابية وما تخللها من فصل وعقوبات بحق بعض الرافضين للقرار، كما ان بعض الحوارات شاركت فيها شخصيات اسلامية مستقلة، واخرى كانت مغادرة او على وشك مغادرة الاخوان، بالاضافة الى قيادات وشخصيات اخوانية رافضة لمبررات المقاطعة وتحمل تحفظات على مسار الجماعة وقيادتها. لكن لم يكن حماس الجميع متساويا في الذهاب الى حد تشكيل حزب جديد، ولم يستمر في الفكرة سوى القليل ممن شاركوا في الحوارات الاولى.
شهدت تلك الفترة بعض الخلافات والعقوبات بحق بعض افراد الاخوان في مدينة السلط وانسحابات من الجماعة، وتواطأت الظروف لتشكل ارضية ظهور حزب اسلامي جديد، كان يملك فرصة كبيرة للوجود والعمل، ليس بحجم وثقل الاخوان، لكن ضمن مساحة معقولة. ورأى فيه البعض محاولة لتعويض ما كان يجب ان تكون عليه جبهة العمل الاسلامي في مرحلتها الاولى أي جبهة عريضة تضم الاسلاميين المستقلين وشخصيات مختلفة اضافة الى الاخوان المسلمين.
قادة حزب الوسط ارتكبوا اخطاء عديدة. ولم يكن الخلاف فكريا او سياسيا، بل كان على ممارسات وافعال واستئثار بنفوذ. ومع كل محطة كان الحزب يخسر شيئا من وزنه وقدرته، واصبح كبقية الاحزاب لا يميزه شيء، بل وراءه تجارب مريرة يحملها بعض من دخلوا الحزب وخرجوا منه، ومع كل منهم قصة وحكاية، والاهم ان الحزب فقد فكرته الاولى، فلم يعد مشروعا للعمل الاسلامي، بل ان سلسلة الانسحابات والاستقالات الصاخبة والهادئة، حولته الى حزب لمجموعة من القيادات والاصدقاء.
من الاخطاء الكبيرة التي حفلت بها مسيرة الحزب ليس فقط الممارسات والسلوكيات التي ادت الى استقالات وانسحابات، بل الاقتراب غير المحسوب من الحكومات. ففرق بين حزب دستوري يؤمن بالثوابت الوطنية ويمارس عملا سياسيا ضمن الاطار الاردني، وبين اقتراب غير محسوب من الحكومة.
اي حزب هو شخصية اعتبارية عامة. وتجربة حزب الوسط الاسلامي وصلت الى مراحل تحتاج الى تقييم موضوعي، قد لا يرضى بعض قياداته بما نقوله، لكن هذا الحديث يتم تداوله في اوساط عديدة.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   سميح المعايطة