تستحق الإشادة ، والتكريم تلك السيدة الأردنية التي ما برحت منذ سنوات تجلس على احد أطراف شارع المطار ، وتعرض عدة سلال من البيض البلدي أمام المارة ، وتجمع رزق أطفالها من خلال هذه الطريقة في البيع ، وهي بحق قدوة لآلاف العاطلين عن العمل من الشباب ممن ينتظرون أن يتدخل القدر لإخراجهم من مآزقهم المعيشي في الحياة ، ولا شك أن عملية إنتاجية بيتية تقوم عليها هذه السيدة تبدأ من تربية الدجاج البلدي ، وتكون خلاصتها مشهد جلوسها اليومي المتكرر في المكان الذي تعرض فيه منتوجاتها البسيطة ، وتعيل نفسها ، وأسرتها ، ولم تربط حياتها بالمساعدات ، والاستجداء ، وإظهار الضعف للاستفادة من الجانب الإنساني في المجتمع ، أو تقديم الطلبات لأحد صناديق التنمية الاجتماعية ، وربما أن دخلاً مجدياً تحقق من هذه الطريقة التي استبعدت بها السيدة خيار أن تمد يدها ، وقد يكون هنالك طلبة جامعيون ، وطلبة مدارس يحصلون على مصاريف دراستهم من كدها ، ووقوفها طوال النهار على قارعة الطريق ، كي تبيع ما معها من البيض البلدي ، وهي في ذلك استجابت لتحديات الحياة ، ولم تستسلم للظروف ، وأوجدت حلاً مناسباً لحياة أسرتها بطريقة لائقة.
ونحن نحتاج إلى أن تتبدد ثقافة انتظار حل تأتي به الظروف ، أو مساعدة تقدمها الواسطة ، او الغيب ، والبقاء دون اجتراح وسيلة للإنتاج ، ولو كانت بسيطة ، والعيش منها بغض النظر عن قدرة الدولة على توفير فرص العمل في مؤسساتها ، وهنالك عملية إنتاجية متوقفة في مجتمعاتنا ، وتجعلنا في اخر قائمة الأمم المنتجة ، وانعدام القدرة على انتهاز الفرص ، وقد تكون الأسر التي تتحصل على مساعدات التنمية الاجتماعية بحاجة إلى تأهيلها في هذا الطريق ، ومشاركتها في التفكير بوسيلة إنتاجية تبعد شبح الحاجة ، وتوقف الاعتماد على رواتب الصناديق ، وتصبح مساندة للدولة ، وليست عالة عليها ، فلو تحولت موازنة صندوق المعونة الوطنية السنوية التي تصرف على إدامة الفقر في المملكة إلى مشاريع صغيرة من طبيعة المناطق التي تستهدفها المساعدات ، ووضع الفقير أمام تحدي الإنتاج أو تركه يواجه مسؤوليته الخاصة المترتبة على كسله ، ورفضه القيام بأي عمل ، والعيش على كاهل دافع الضرائب ، لكان ذلك وازعاً كي تنكشف لعبة صناعة الفقر في المملكة ، مع استثناء يتعلق بمراعاة أوضاع الحالات الإنسانية الصعبة كالمقعدين تماماً ، وطاعني السن ، وغير ذلك فلا بد من تشغيل القوى المتعطلة عن العمل في المجتمع ، والتي تعيش على حساب الصناديق ، ومنها فئات قادرة على الإنتاج ، ومن الضروري الوصول إلى مرحلة يختفي فيها طموح الاستيلاء على راتب من احد صناديق المعونة بوضع مقدم الطلب أمام خيار العمل ، ولو كان بجر عرباية ، او بيع الجرائد ، أو أية وسيلة أخرى تجعله منتجاً ، ولو عملت وزارة التنمية الاجتماعية على إطلاق مبادرة للأعمال اليدوية ، والصغيرة ، وحصرت مجموعة من المهن ، وخرطت المتعطلين عن العمل بسبب رواتبها فيها ، وبحثت عن إيجاد أسواق للمنتجات ، وأوقفت خططها القائمة في السنوات الأخيرة على توسيع دائرة المشمولين برواتبها ، لكانت أظهرت تقدميتها ، وجديتها في تطوير أعمالها ، وليس التوقف عن الحدود التقليدية للتعامل مع الفقر ، أو من استمرأ طرح نفسه بصيغة فقير ، وبدد جهوده ، وبخل على المجتمع بأي إنتاج ، وأراد العيش على الجانب الإنساني للدولة التي هي في نهاية المطاف ليست سوى دافع الضرائب.
نرفع القبعات لسيدة البيض التي تنتج ، وتوفي بالتزاماتها الأسرية ، ولكثيرات بحثن عن حياة عفيفة ، وكذلك لرجال قاسوا مرارة الفقر ، ونهضوا بمسؤولياتهم واوجدوا لهم وسيلة في العيش الكريم ، وهؤلاء أولى أن يتم تكريمهم ، وان يشاد بإرادتهم ، ليكونوا محفزين لغيرهم كي تتحرك عجلة المجتمع ، وينهض من القيود.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة رشاد أبو داوود جريدة الدستور