ضحية جديدة تضاف إلى رصيد شارع الموت في مليح بعد أن لفظ الطفل الجميل احمد الخضور آخر أنفاسه تحت عجلات أحد القلابات المارة بالبلدة مساء أول من أمس ، وهذا الشارع ما برح يأخذ حصته من أرواح أبناء مليح تلك القرية الواقعة إلى الجنوب من محافظة مأدبا ، إزاء تقصير غير مبرر من قبل وزارة الإشغال ، التي ما تزال لا تحرك ساكنا حتى بعد أن حصد هذا الشارع العشرات من أبناء القرية على فترات متقطعة ، ولم يكن ذلك ليحرك دواعي المسؤولية للوزارة والتي ردت على لسان مدير الإشغال في ذيبان بعدم وجود مخصصات لهذا الغرض ، وهذا فتح المجال كي يستمر النزف البشري على صعيد هذا الشارع الدموي.

وتظل دماء وأرواح الضحايا تمثل ذكريات مفجعة للأهالي ، وسجلا مراً للقرية التي يلفها الحزن العميق اليوم ، ويد الموت الممتدة على طول هذا الشارع تقطف طفلا لم يتجاوز بعد عشريته الأولى في الحياة ، وتحط في قلب والده ، ووالدته التي صارت رهينة ما بين الإغماء ، والواقع المؤلم الأحزان على إثر فقدان ساكن الروح ، وبؤرة الأمل في هذه الدنيا.

وهذا الشارع شريان شيطاني يخترق قرية مليح ، ولا بد من وقف مشروع الموت الذي يحمله لسكان القرية ، ويهدد أطفالهم ، والمارة بسبب سوء تصميمه ، وهو الجزء الوسطي من الشارع الملوكي الشهير الذي يبدأ من مأدبا ، ويصل حتى الكرك ، ويقسم قرية مليح إلى نصفين ، وفي الجزء الداخلي منه المار بالبلدة يجيء على شكل ضيق ، وتقع في منتصفه جزيرة وسطية على طوله تجعل من الاستحالة أن تمر به سوى مركبة واحدة ، وهو يفتقر إلى رصيف على جانبيه ، وتنحدر أطرافه إلى ما يشبه الأودية الصغيرة التي تنذر بانقلاب المركبات في حال خرجت عن مسارها ، وكونه يشكل متوسط المسافة الواصلة ما بين المملكة من شمالها إلى جنوبها فالسرعات عليه تكون عالية ، والسيارات المارة به تقطعه بلمح البصر وتعرض حياة قاطني القرية على أطرافه إلى خطر مميت ، وفي ساعات المساء والليل يصبح الموت نتيجة حتمية لمن يسير على جانبيه إذا فقد انتباهه كونه غيرَ مضاءْ.

والأسوأ من ذلك وقوع المدرسة الرئيسة في البلدة على إحدى اخطر نقاطه القاتلة ، وهو الوسيلة الوحيدة لوصول ما يربو على 700 طالب من مختلف الأعمار إلى صفوفهم ، وكونه يفتقر إلى وجود رصيف ، وزواياه منحدرة فيضطر هؤلاء الطلبة ، ومنهم الصغار في السن إلى السير بمحاذاة أطراف الشارع ، وربما في وسطه ، وهذا ينذر بكارثة محققة قد تقع في أي لحظة ، وكان للأسف آخر ضحايا هذه المأساة الطفل الأول على صفه احمد الخضور ، وهو الذي ترك رحيله مشاعر الحزن والألم تدخل إلى كل بيت من بيوتهم ، وتثير دواعي السخط في قلوب سكانه ، وباتوا على ثقة بشدة الإهمال الرسمي ، وعدم الاهتمام والجدية في وضع حل يحفظ أرواح الناس.

وعلى أمل أن تكون هذه المأساة هي الأخيرة في ذاكرة أهالي مليح ، وان يصار فورا إلى رفع هذا الشارع القاتل من وسط القرية ، ووقف مشروعه الدموي ، أو توسعته ، وإضافة أرصفة خاصة به ، ووضع إشارات مرورية لتنظيم حركة السيارات العابرة فيه. ولعل خسارة روح هذا الطفل البريء تكون دافعا لحفظ أرواح الموتى المحتملين من مليح على ذات هذا الشارع الموغل في الدم.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   رشاد أبو داوود   جريدة الدستور