لا شك أن دخول الحكومات على خط القضايا الجانبية - وقد يكون ذلك مقصودا في حد ذاته - يبعدها عن جوهر عملها المتمثل بتحريك الحياة السياسية ، والاقتصادية ، وتطوير التشريعات اللازمة ، وما يناط بها من مهمة تحسين الظروف المعيشية لمواطنيها ، حيث يكون ظهور حكومة جديدة في الحياة السياسية دالا على أنها جاءت استجابة لمطلب ملح بالتغيير ، وفي ذلك ما يؤهلها كي تشكل إضافة على سابقتها ، ويعطيها الشرعية لاستغلال مدتها الدستورية في العمل ، والانجاز.
والحكومة المترددة تحول نفسها إلى جزء ملحق بالحركة الرتيبة للمجتمع ، وتترك موقعها كدافع ، وموجه ، ومطور للأوضاع الاقتصادية ، والاجتماعية ، ومفعل للحياة السياسية ، ولا بد من كلفة تتبع العمل ، وربما يكون الفشل حليفا لبعض القرارات ، وقد تنصب المصائد للحكومات ، أو يتم التصيد لها ، والعمل على الإيقاع بها من قبل طيف متنوع من الطامعين السياسيين موزعين على مختلف قطاعات التقاعد ، إلا أن ذلك ليس مبررا للتباطؤ ، وربما أيضا تحيط بالمرحلة ظروف قاسية ، مردها إلى العجز الكبير في الموازنة العامة ، وتؤدي إلى مخاوف من تحريك عجلة القطاعات الاقتصادية نظرا لكلفتها المادية ، وذلك لكون الوزارات تعتبر في الأصل هي الجهة الأكبر في ضخ المشاريع إلى السوق ، وعندما يحدث تجميد لخطط البناء والتطوير مخافة زيادة نسبة العجز في الموازنة فهذا بدوره ينعكس على القطاع الخاص الذي يفقد القدرة على العمل ، الأمر الذي يضعف من دورة الأنشطة الاقتصادية ، ويقلل من موارد الموازنة ، فتعيش البلاد على إيقاع من الرتابة والجمود.
وقد يكون الحل بعدم تعطيل الحياة الاقتصادية بسبب الظروف الناجمة في معظمها عن الأزمة المالية العالمية ، من خلال إتمام المشروعات الحكومية ، وتحريك السوق ، واللجوء إلى تغطية النفقات باجتراح مصادر دائنة حتى تنفرج المرحلة العالمية ، وهذا يجنبنا الضعف في قطاعاتنا الاقتصادية المختلفة ، ويمنع تجمد السوق.
والجمود السياسي أيضا قد تفرضه محاذير ، وحساسيات داخلية ، وبالتالي يؤدي إلى تباطؤ الحياة السياسية ، وعمليا لا يخفى ما أصاب مسيرتنا السياسية من تراجع مريع إلى درجة باتت التكوينات الاجتماعية تعود فيها إلى ما قبل قيام الدولة ، ونشوء وتطور المؤسسات الدستورية ، وهذا يعيدنا إلى قاعدة أن من يخشى النتائج ، ويرفع نسبة المحاذير فلن يتقدم خطوة واحدة إلى الأمام ، وسيظل أسير الخوف ، والرعب ، وستفوته الفرص في معالجة الأحوال ، وتفادي ما هو أسوأ.
وواقعنا الاجتماعي بات يحتاج إلى صدمة ثقافية ، تلغي الأثر السلبي المترتب على الخطاب الكلاسيكي الذي ما يزال أسير الماضي ، وتتحكم فيه القيود ، وبعض المستغلين للمنابر وللمشاعر الدينية ، ففرضوا أنفسهم أوصياء على الوعي ، وانحدروا بقيمة العقل ، وعملوا على تجميد البنية الاجتماعية مما ألغى قيمة المبادرات ، والأفكار الناجمة عن الحرية ، وما تضيفه إلى الحراك الاجتماعي ، وقد يكون تخوفنا من مصادمة بعض الجهات الاجتماعية التي حكمت بتباطؤ التحول الاجتماعي أيضا دافعا إلى عدم خروج الجديد الذي يعمل على تطوير أداء الدولة ، وتحديثها.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة رشاد أبو داوود جريدة الدستور