كانت احدى الملاحظات عند تقديم مشروع تأهيل البلديات، او ما يسمى بالدمج، ان لا تخضع عمليات تعيين رؤساء البلديات وحتى اعضاء المجالس لعلاقات وواسطات ومصالح، او على الاقل لأشخاص ذوي خبرة قليلة، وبخاصة ان على الوزير ومن بعده مجلس الوزراء تعيين مئات الاشخاص في هذه المواقع، وبالتالي فان اي وزير لا يمكنه معرفة هؤلاء وقدراتهم وكفاءاتهم، ما يجعل من الاختيار عملية غير موضوعية.
في المرحلة الاولى من عمليات التعيين، قبل سنوات، ظهرت عيوب وثغرات في كفاءات بعض الرؤساء والكثير من الاعضاء، وخرجت الى الاعلام شكاوى من ان هذا العضو محسوب على النائب الفلاني او اخيه او من انصاره، او ان هذا الرئيس جاء تزكية من مجموعة نيابية او موظف في الوزارة، لا يمكنه اداء ما عليه، وشهدنا اداء غير مناسب من البعض وتغييرات سريعة، بحيث لم يمض بعض الرؤساء اشهرا في مواقعهم.
في المقابل، كان هناك اصحاب كفاءة أثبتوا حضورا وتميزا، لكن كل هذا كشف عن عيب اساسي وهو خضوع عملية التعيين او العزل الى مقاييس تقديرية، وهذا يعني غياب الامان الوظيفي لرئيس البلدية، ووجود احتمال لعزله مع تغير الوزير او تعارض المصالح او ربما رفضه ان يكون رئيس قسم في الوزارة، وليس رئيس بلدية، وهذا الواقع جعل موقع رئيس البلدية يعاني من مشكلة نطالب جميعا بحلها في مواقع اخرى مثل الموقع الوزاري او الامين العام والمدير العام.
فسرعة التغيير والاوقات القصيرة التي يقضيها المسؤول في موقعه تجعل من غير المنطقي محاسبته على انجاز حقيقي. فماذا يفعل وزير يمضي ثلاثة او تسعة اشهر في موقعه، وكيف يعمل امين عام وهو يخاف من التغيير مع قدوم كل وزير. انها قضية مرتبطة بأهم متطلبات الانجاز، وهي الشعور بالامان الذي لا يعطى من المحاسبة، لكنه يعطي للمسؤول مثل رئيس البلدية حق التخطيط والتنفيذ، من دون ان يلاحقه هاجس العزل لاسباب لا علاقة لها بالعمل، وانما بالتقدير وقراءة الامور، ما قد يختلف فيه رئيس البلدية مع الوزير او الامين.
انتخاب الرئيس كان يعطي نوعا من الامان له، ومع ان القانون الجديد يعيد فكرة الانتخاب للرئيس والاعضاء، الا ان هذا العيب في الادارة سيبقى يلاحق موقع مدير البلدية الذي يعطيه مشروع القانون صلاحيات واسعة.
وكما اشرت فان الامر ليس مرتبطا بالبلديات وحدها، لكننا ونحن نتحدث عن اصلاح اداري وتطوير للقطاع العام نتطلع الى مرحلة يكون فيها للمواقع الهامة مساحة كافية من الوقت للتخطيط والتنفيذ والعمل الا في حالات محدودة يرتكب معها المسؤول اخطاء فادحة لا يمكن الا معاقبته عليها. وقد يحتاج الامر قبل ذلك الى تعميق الاسس الموضوعية في الاختيار، فلا نريد ان يختار وزير رئيس بلدية او امينا عاما لانه مقتنع به او لانه يريد خدمته، ويأتي وزير لاحق فيعزله لانه من جماعة الوزير السابق، او لان لديه شخصا يريد تزبيطه.
لا نتحدث عن حالة او قضية معيّنة. بل عن مسار اداري يترك آثارا سلبية على المؤسسات والاشخاص والانجاز.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   سميح المعايطة