لا يحق لأحد أن يغلق الطريق تحت أي مبرر ، أو أن يفرح على حساب غيره ، وهذه المظاهر التي تحدث في شوارعنا لا تعبر عن سعادة غامرة بزواج صديق او قريب بقدر ما هي انعكاس لحالة عدم الإحساس بالغير ، وخفوت الحالة العامة في نفوسنا ، وطغيان الفردية وحب الذات لعل من اقل مؤشراتها في حياتنا الاجتماعية اليوم عمليات إغلاق الطرق المستمرة في اتجاهات معينة بسبب "فاردة" فرحة تعبر المنطقة ، فيضطر مستخدم الطريق إلى البقاء محاصرا خلف الفاردة التي تسير مركباتها متجاورة ببطء شديد ، وتتسبب بأزمة حادة ، ناهيك عن عادة استخدام الزوامير التي تدعو للحنق والمرافقة غالبا لمواكب الأفراح،،،.

والفرح حالة إنسانية لا تحدث في كل أنحاء الدنيا بهذه الطريقة ، وهي تعبر عن مبالغة في سلوكنا الاجتماعي تكاد تشي بأمراض داخلية ، فشدة أظهار السعادة للغير قد تبطن محاولة مبيتة لإقناعه ظاهرياً بما هو فعليا يعاكس الباطن ، وتكون المبالغة تحسبا من عدم التصديق ، وإلحاحا يقصد من ورائه لإخفاء الباطنية التي تغاير الواقع الحقيقي ، لا سيما ان المديح الزائد قد ينطوي على شتيمة مستترة ، ناهيك عن فوضى تجتاح نفوسنا ، وتنعكس في التصرفات غير الضرورية ، والتي تكون على حساب آخرين يعيشون معنا في الحياة ولا يعنينا ابدا إذا كانت تصرفاتنا تؤذيهم.

هذا السلوك غير الحضاري يحدث يوميا في المدن خلال فصل الصيف ، وفي القرى على السواء ، ولا يعكس أخلاق طبقة معنية ، وإنما يمثل تقريباً عاملاً مشتركاً لمن يمارسون الفرح الأردني بشكل مؤذ ، ويتعرض الأردنيون إلى التأخير على الطرقات ، واستفزاز متكرر في أيام الخميس والجمعة من كل أسبوع ، وهم ملزمون بالسير خلف الفوارد في الشوارع التي يغلقها تتابع المركبات في مواكب الفرح ، وكأنهم أصبحوا اضطرارياً جزءًا منها ومكملون لمشهد الفرح الأردني.

والغريب أن أهل الموكب لا يجدون مبرراً لاعتراض مرتادي الطريق في اللحظة التي يغلقونها قسراً ، فهم في حالة فرح ، وعلى الكون أن يسهر شاهداً على فرحهم ، ولا غضاضة في أن يتحول الاخرون إلى مجرد كومبارس في هذا المشهد الاجتماعي القسري. وأسوأ ما قد يجري أن تجد سيارات حكومية لموظفين كبار - تعمل خارج الدوام الرسمي - تقود بعض مواكب الأفراح ببطء من نقطة انطلاق الفاردة إلى الفنادق والصالات التي ينتهي اليها الموكب ، وتسقط قدرة الدوريات الخارجية على التعامل مع مثل هذه الحالات التي تتسبب بأزمات شديدة ، وبامتعاض الأردنيين على الطرقات ، وربما يقود الفوارد وجهاء ، وشخصيات عامة ما برحوا ينظرون عن الانتماء ، وحب الوطن ، والتحلي بالأخلاق الحميدة ، والإيثار إلى غير ذلك من تنظير يسقط أمام التجربة.

وهذا الأمر لا بد من وضع نهاية له ، إما بإلزام أصحاب المناسبات الاجتماعية بوقف هذا السلوك الشائن عن طريق تحرير مخالفات لكل السيارات التي تغلق الطريق من قبل مديرية الأمن العام ، أو بتخصيص شوارع معينة في العاصمة تسلكها الفوراد غير المنضبطة ، وربما يكون الحل أن يتوقف الأردنيون عن استخدام الطريق يومي الخميس والجمعة وتركها بشكل كامل للفوارد التي تقل العرسان إلى بيت الزوجية السعيد.


المراجع

جريدة الدستور

التصانيف

صحافة   رشاد أبو داوود   جريدة الدستور