مجتمعنا الاردني يحمل سلوكيات متناقضة وغير مفهومة، ولدينا ايضا ممارسات لا تنسجم مع احاديثنا وقضايانا التي نملأ الدنيا ضجيجا بها، ولا تتناسب كذلك مع فقرنا الذي نشكو منه، ولا التذمر الذي نراه في كل مكان، ليس لدى الفقراء الحقيقيين، بل لدى الفئات الاخرى حيث التذمر موجود لدى اصحاب الملايين والمقتدرين والمبذرين، لكن لكل طريقته في التذمر والاشياء التي يتذمر منها.
امس نشرت "الغد" رقما يبعث على الخوف! فنحن في الاردن استوردنا خلال ستة اشهر فقط اجهزة خلوية بحوالي (123) مليون دينار، اي بحساب على طريقة العجايز، فإننا نستورد في العام اجهزة خلوية بحوالي (250) مليون دينار اي ربع مليار، وهذا الرقم زاد عما استوردناه في النصف الاول من العام الماضي حيث كان (99.5) مليون دينار، اي بزيادة حوالي (24) مليون دينار.
والسؤال؛ ماذا يريد الشعب الاردني خلال ستة اشهر من اجهزة خلوية بحوالي (123) مليون دينار؟ اي اننا دفعنا عملة صعبة من الدولار واليورو مقابل اجهزة، فهل نحن شعب صناعي تقني، ودولة تصدر بعشرات المليارات حتى يكون من حقنا كشعب ان نستورد اجهزة خلوية بهذه المئات من الملايين!
انه ترف نمارسه جميعا, فالشباب يغيرون هواتفهم كل اسبوع او اسبوعين، والبنات قد لا يصبرن هذه المدة الطويلة فتشتري احداهن الجهاز بمائتي دينار ثم تبيعه بنصف السعر لتشتري نوعا جديدا بكاميرا واخرى للفيديو واخر بنغمات مجسمة. وهذا لا يقتصر على الاغنياء فحتى الشاب الموظف فإنه لا يقبل الا جهازا حديثا وبعد شهرين (يزهق) منه فيشتري غيره، وقد يكون ثمن الجهاز ضعف راتبه، لكنه كما يقول الكبار (فسق) اي بطر وترف. فأحدنا قد لا يشتري لنفسه بنطلونا او حذاء لكنه يستدين حتى يشتري جهازا حديثا، ولهذا فنحن نستورد باستمرار، ولهذا ايضا ننفق (123) مليون دينار، خلال ستة اشهر، حتى نحدّث اجهزتنا الخلوية فقراء واغنياء.
هنالك عائلات لديهم جميعاً هواتف، حتى الصغار، ومن لديه جهاز عليه فاتورة او بطاقات، ولهذا نحن نتحدث سنويا بحوالي (1000) مليون دولار اي مليار، ونستورد اجهزة بحوالي ربع مليار سنويا، وكلنا نشكو الفقر، ولو سمع بعض اصحاب الاجهزة بتوزيع مساعدات لكانوا متصدرين لها، وعندما تقرر الحكومة صرف خمسين دينارا نسرع للحصول عليها، وهي قد لا تكفي بعضنا فاتورة شهر.
الكبار والصغار يحملون على جنوبهم الهواتف، وتسمع كل انواع الرنات والنغمات، وبعضنا ليس له حاجة به الا للثرثرة والتسلية، وربما تحتاجه الزوجة لتقول لزوجها "هات علبة لبن" او "كيلو خبز"، ليس لدى معظمنا بواخر في البحر او اسهم في بورصات لندن ونيويورك لنتابع احوالها عبر الخلوي، لكننا نرمي بمئات الملايين على شكل امواج صوتية واجهزة نبدلها مثلما نبدل ملابسنا في الصيف الحار.
من الطبيعي ان تدخل قيم جديدة الى المجتمع مع تقدم الاتصالات، لكننا نبالغ، ونهدر رواتبنا المحدودة. فأسرة عادية قد تدفع 150 دينارا فواتير، لكنها تعتقد ان 5 دنانير زيادة على الراتب ستنقذها من الفقر.
نمارس تناقضا مع فقرنا وحاجتنا، نتجاوز الاولويات، لا يترك بعضنا وسيلة للحصول على اعفاء لاولاده من التبرعات المدرسية في مدارس الحكومة، التي لا تزيد على خمسة دنانير، لكننا نبدل جهازا بآخر حديث، وندفع خمسين دينارا فرق سعر.
نشكو البطالة، لكن من لا يحمل على جنبه خلوي دمعة او الشيطان او الدب، وفي جيبه باكيت دخان؟! نتذمر من ضيق ذات اليد، ويبتسم الاب وهو يشتري لابنه في الصف السابع جهاز خلوي وبطاقة.
هل الاولوية هي لقانون احزاب واشهار ذمة مالية ام ازالة التناقضات السلوكية في داخلنا. الفقر ليس غياب المال فقط.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة