التحقيقات الجارية في الاتحاد العام للجمعيات الخيرية حول اختلاسات مزعومة تصل الى حوالي ربع مليون دينار، كما يذكر ديوان المحاسبة، ليست قيمتها في انها قضية فساد مزعومة يجري التحقيق فيها من قبل القضاء، بل في ان هذا النوع من القضايا يؤثر على مصداقية المؤسسات الخيرية والتطوعية، ويجعل المواطن يتردد في تقديم اي تبرع او جهد، كون هذه المؤسسات قد تغدو محل شك وريبة.
العاملون في العمل الخيري مثل العلماء، ينطبق عليهم القول المأثور "زلة العالِم، زلة عالَم"؛ اي أن خطأ العالم يترتب عليه اخطاء من عامة الناس. ولهذا، يفترض في العاملين بالعمل التطوعي الخيري ان يكونوا على اعلى مستويات المصداقية والابتعاد عن الشبهات، فلا يمكن ان تأمن على المال العام والتبرعات والصدقات من يمارس اي تجاوز، حتى لو كان استخدام سيارة الجمعية الخيرية او أحد باصاتها لشراء اغراض بيته، او من يسكت على فساد حوله من تعيينات غير سليمة او منافع للاصدقاء والمحاسيب؛ فالفساد ليس سرقة اموال فقط.
"بيت الخير"، وهكذا يسمى الاتحاد العام للجمعيات الخيرية، يعلن الآن ديوان المحاسبة عن اكتشاف اختلاس مزعوم فيه يصل الى حوالي ربع مليون دينار، او كما يدّعي اكثر من 100 متعامل مع يانصيب الاتحاد بأن موظفين قاموا بتسريب الارقام الرابحة لاشخاص معينين، وتكرارا في عملية السحب على الجائزة الاولى، رغم معرفة ادارة الاتحاد انها ضمن الاوراق غير المباعة.
القضية لدى القضاء، لكن ما تم كشفه واعلانه من ديوان المحاسبة، وهو مؤسسة موثوقة، افقد الاتحاد العام مصداقيته كجهة خيرية، ولم يعد من الممكن اعتبار هذه الجهة، بتركيبتها الحالية، قادرة على اداء دورها، سواء الاشخاص المتورطون او الادارة التي تمر من تحتها هذه التجاوزات والاختلاسات المزعومة من دون ان تكون مؤهلة وقادرة على كشفها. ولعل بدء التحقيق بشأن هذه الاختلاسات المزعومة والتجاوزات يجعل من الضروري مراجعة كل الوثائق والاوراق والسجلات، ليس من قبيل اتهام احد، بل للتأكد من ان ما تم اكتشافه هو كل شيء.
ويسجل لوزير التنمية الاجتماعية مبادرته إلى الاستمرار في هذه القضية، ومعه الجهات الرقابية الاخرى. وقد سمعنا خلال فترات سابقة من وزراء تنمية ملاحظات على الاتحاد العام وطريقة عمله، لكن كل هذا كان يضيع في الهواء، فيذهب الوزراء ويبقى الاتحاد. وكان بعض الوزراء يعتقد ان تعديل قانون الجمعيات الخيرية سيفتح عليه عش دبابير، ولهذا سمع الناس كثيرا عن قانون جديد دون ان يروا شيئا. وقد تحول الاتحاد العام عبر النصوص القانونية القديمة الى مركز نفوذ لاشخاص، مثلما هي حال العديد من الجمعيات التي تحولت الى جمعيات اشخاص، الحكم فيها الى الابد، فلا يتغير الرئيس الا بالموت او اذا اصابه مرض مُقعد! وكأن هذه المؤسسات قد تحولت من مؤسسات تطوعية خيرية الى اقطاعيات! ومن المؤكد ان هذا ليس كله لله، بل هناك منافع ونفوذ.
الجمعيات الخيرية تملك اموالا كثيرة، وبعضها لديه مؤسسات تدر ارباحا وعائدات، لكن المراقبة والمتابعة ضعيفتان، سواء من وزارة التنمية الاجتماعية او من الهيئات العامة. وبعض الادارات تسترضي المشاغبين في الهيئات العامة، وتمر الاجتماعات بشكل روتيني، فتقرأ فيها التقارير بشكل آلي، والمهم الانتخابات والتحالفات.
مطلوب من وزارة التنمية الاجتماعية خطوات جريئة لتعديل التشريعات ومتابعة الجمعيات والرقابة عليها، والحزم مع اي خلل او شبهة، وليكن القضاء هو الحكم. فالامر ليس تجاوزا على المال العام فقط، بل هو أيضا اساءة لفكرة العمل الخيري والتطوعي، ومن يدفع من ماله يبحث عن اجر وثواب وخدمة لوطنه ومساعدة للفقراء، فماذا لو احس احدنا انه لا يأمن على تبرعه او صدقته او زكاة ماله عند العاملين في هذا القطاع؟!
على الوزارة ان لا تشعر انها انجزت كل ما عليها، إذ مايزال هناك الكثير من العمل، والكثير من الثغرات في العمل التطوعي. وهناك جمعيات مثل بعض الاحزاب، لا تملك الا الترخيص والرئيس! كما أن هناك جمعيات يسخرها بعض اداراتها لخدمة مرشح اذا تبرع لها بمبلغ مالي، فيتحول مقرها الى "صيوان" لهذا المرشح واستوديو لتصويره وهو يفعل الخير! وهناك جمعيات لعائلات او شلل ومجموعة اصدقاء.
الجمعيات، وقطاع الاندية، وكثير مما يسمى مؤسسات المجتمع المدني، تحتاج الى رقابة ومتابعة وتدقيق في سجلاتها، وهذا جزء من واجب الحكومة.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة