في الخبر الذي نشرته "الغد" أمس على صفحتها الأولى، استوقفني ضمن تصريحات لأمين عمان الجديد حديثه عن المستشارين في الامانة، والذين وصفهم بأنهم "مستشارون لا يُستشارون"، ولهذا شملتهم قرارات الاستغناء عن الخدمات، وبعضهم سيتم الاستغناء عنه بعد انتهاء العقود، اي في بداية العام القادم. وهذا الجزء من الحديث يمكن تفهمه، وربما الترحيب به.
لكن معالي الامين الجديد لم يستطع ان يدافع عن قراراته بتعيين مستشارين جدد، مبررا إياها -كما ذكر الخبر- بحاجة الأمانة إليهم؛ اي ان المستشارين الجدد الذين تم تعيينهم، وربما سيتم تعيين غيرهم لاحقا، قد جاؤوا لأن الامانة تحتاج إلى خبراتهم واستشاراتهم. وهذا الجزء من حديث الامين غير مقنع، لأننا لو سألنا الامين السابق او من قبله عن المستشارين الذين اصدروا قرارات بتعيينهم لأعادوا قول ما ذكره الامين الجديد، أي ان الامانة كانت بحاجة إليهم، فليس هناك مسؤول سيقول انه عين مستشارا لا يحتاجه، او من باب الواسطة والتنفيع، او استجابة لضغط لتأمين راتب لهذا الشخص، فكان موقع المستشار هو ما يحقق ذلك.
وهنا يحضرنا القول المأثور "لكل زمان دولة ورجال"، اي أن لكل ادارة مستشاروها، لكن مع اختلاف طريقة التعيين ولغة التواصل والاعمال الشكلية التي توكل الى هؤلاء المستشارين، إنما ببقاء المحصلة واحدة من خلال الوظائف والعقود والرواتب الشاهقة التي قد لا يصل اليها موظفون بعد خدمة سنوات طويلة.
كنا نتمنى ان تكون خطوات الامانة في عهدها الجديد بالتخلص من الوظائف الوهمية؛ فالترهل وزيادة الاعداد ليس بين العمال وصغار الموظفين الذين يتقاضى الواحد منهم 120 دينارا قد لا تغطي تكلفة تشغيل شهرية لسيارة رسمية تصرفها الامانة لمستشار! لكن الترهل دائما في اذهان البعض هو في اعداد العمال الذين يبحث احدهم عن مائة واسطة ليحصل على هذا الموقع الذي يؤمن له دخلا، فيتمكن بالتالي من أكل الخبز، بينما الوظائف الكبرى تهبط من السماء عقودا ورواتب وسيارات وبلا عمل، وضمنهم من وصفهم الامين بأنهم مستشارون لا يستشارون.
نتمنى ان يكون المستشارون الجدد يُستشارون، لكن الافضل ان يبحث الامين وكل وزير عن مستشاريه الفعليين من كادر مؤسسته، هذا اذا كنا نبحث عن كفاءة ورأي ومشورة. والحلم والأمنية ان نصل الى مرحلة لا يعطى فيها لقب "مستشار" الا لصاحب خبرة ورأي وتجربة، مثلما هي الحال في الدول التي تحترم اوصاف المواقع؛ فالمستشار شخص مهم، وليس باحثا عن راتب او سيارة حكومية.
وما نتمناه ايضا ان يكون لدى الحكومة، صاحبة مشروع تطوير القطاع العام، جرأة على إلغاء كل المواقع الوهمية؛ وإذا كان الوزير يحتاج مستشارا فليبحث في وزارته، فإن لم يجد، فليأت بشخص ليعمل ويقدم الرأي، لا ليكون موظف علاقات عامة او سكرتيرا خاصا للوزير يرافقه في الزيارات.
المستشار شخص مهم، لكننا اهدرنا هذا الموقع. وما نحتاجه ليس إنهاء عقود مستشاري المراحل السابقة لنعين مستشارين وفق مواصفاتنا، بل ان تكون جرأتنا في انصاف الموظفين، عدم تنصيب من نريد عليهم برواتب عالية وأعمال قليلة تحت لقب مستشار، وأن يمتد هذا الى كل موقع بلا عمل.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة