على النقيض مما ذكره وزير الثقافة للمحامي صالح العرموطي؛ فإنّ ما حدث هو أنّ رئيس جمعية الكتاب والسنة حاول عدة مرات، ولا يزال، مقابلة الوزير بلا جدوى، وذلك للحوار حول وضع الجمعية من النواحي المختلفة. على الجهة المقابلة لا تقدم وزارة الثقافة (في ردها على قرار حل الجمعية) أي جواب مقنع، سوى عبارات عامة فضفاضة، لا يمكن الاستناد إليها في تفسير وتفهم قرار إغلاق جمعية تمثل اتجاهاً فكرياً واضحاً له حضوره ونشاطاته القانونية المختلفة.
ثمة صعوبة بالغة في إدراك أبعاد قرار حل الجمعية في ضوء المسار الواضح والمتسارع الذي قطعته الإدارة الحالية في مواجهة بعض جوانب الخلل وتنفيذ توصيات ومقترحات المؤسسات الرسمية لتصحيح أوضاع الجمعية، ويكفي أن الإدارة الحالية قامت بتخفيض عدد الأعضاء من مئات إلى خمسين عضواً يمثلون نواة متوافقة على منهج اصلاحي معتدل للجمعية يقدم خطاباً إسلامياً مبتعداً عن التطرف والتكفير والتشدد الفقهي والفكري، وكانت مخرجات هذا الاتجاه واضحة في مجلة القبلة التي تصدرها الجمعية، إذ تبنت رسالة عمان وقدمت ملفاً كاملاً ضد التفجيرات الدموية التي شهدها الأردن في 9-11-2005.
من المعروف أنّ هوية جمعية الكتاب والسنة هي سلفية إصلاحية، وتقع بين اتجاهين فكريين الأول هو "الجهادوي" الذي ينشط في أوساط اجتماعية متعددة ويحاول نشر فكره المتطرف التكفيري، بل ويعادي التيار السلفي الإصلاحي ويضلله، والاتجاه السلفي الآخر هو الاتجاه التقليدي الذي يبتعد عن الاشتباك المباشر مع المشهد الثقافي والسياسي العام، ويفضل الاهتمام بمسائل علمية وشرعية، وإن كان يؤخذ عليه تشدده في المجالات الفقهية وتحفظه على خطاب الحداثة الجديد.
جمعية الكتاب والسنة تعكس طموحاً في بلورة تيار سلفي إصلاحي وطني يؤمن بالعمل العام المؤسسي المشروع والمعلن، ويتبنى خطاباً إسلامياً نهضوياً يمثل دفعاً لمشروع الإصلاح العام من ناحية، وأداة فاعلة لاحتضان الشباب السلفي والنأي به عن التطرف والتشدد من ناحية أخرى، ويمثل - من ناحية ثالثة- إضافة أخرى إلى المشهد الثقافي الوطني، ما يحول دون احتكار تيار واحد للون الإسلامي الذي يشارك في الحياة العامة.
في السابق عانت جمعية الكتاب والسنة من صراع داخلي بين مجموعة أقرب إلى خطاب التيار "الجهادوي" وبين المجموعة الإصلاحية، وقد زالت أغلب موجبات الصراع ببقاء الأعضاء المؤيدين والمصرين على الخط الإصلاحي في منهج الجمعية وتوجهها، ليفاجأوا بقرار الإغلاق بعد هذا الانجاز الداخلي، وكأنه مكافأة للإدارة الحالية على جهودها وتعاونها مع وزارة الثقافة في تصحيح المسار العام للجمعية!
السؤال المطروح أمام وزارة الثقافة - التي تقوم بإغلاق جمعية الكتاب والسنة وبعض فروع جمعية الصالحين مع بوادر إجراءات مشابهة مع جمعية المحافظة على القرآن الكريم- هو من سيملأ الفراغ بعد اختفاء هذه النشاطات العلنية؟ ومن سيكسب عندما تغلق المنافذ القانونية المتاحة؟ أليس قرار إغلاق جمعية الكتاب والسنة بعد العملية التصحيحية الواسعة التي قامت بها الإدارة الحالية هو الخدمة الكبرى للتيار السلفي المتطرف الذي يقوم خطابه على غياب الأفق السلميه الشرعيه للتعبير والعمل؟!
حَلُّ الإغلاق سهل للغاية وطريق مختصر للتقاعس عن القيام بواجب التصحيح والمتابعة والتوجيه وبناء المؤسسات الثقافية المستقلة التي تعلّم وتربي وتدرب على العمل المدني والنشاط السلمي والحوار المجتمعي، لكن مآلات هذا الخيار كارثية على المدى البعيد إذ توفر التربة الخصبة والمناخ المناسب للتيار الراديكالي للازدهار تحت الأرض!
أتفهم تماماً، بل واتفق إلى درجة كبيرة، مع تخوف الجهات الرسمية من استثمار بعض الإسلاميين لمؤسسات ثقافية واجتماعية والمساجد للقيام ببث خطاب تعبوي غير تنويري، وفي تجنيد الأتباع بخاصة الناشئة الجديدة، لكن ما دامت المؤسسات الرسمية، سواء وزارة الثقافة أو الأوقاف أو التنمية الاجتماعية، غير قادرة إلى الآن على توفير البديل المقنع لشرائح واسعة من المجتمع، فإن عليها العمل على الإشراف على المؤسسات الحالية والرقابة عليها والتأكد من مناهجها ونشاطاتها لا إغلاق هذه المؤسسات وخسارة المساحة الواسعة التي تعمل فيها، وإحداث فراغ تملؤه القوى التي لا تؤمن أصلاً بالعمل المدني السلمي! ولا تأميمها ما يحمل مؤسسات الدولة المعنية عبئاً كبيراً لا تملك في الظرف الراهن الكفاءة والأهلية المطلوبة للتعامل معه.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة تصنيف محمد ابو رمان جريدة الغد