والواقع الحالي
د.عثمان قدري مكانسي
1- إطلالة مناسبة على حادثة الإسراء والمعراج
-
فقد الرسول عليه الصلاة والسلام زوجته خديجة رضي الله عنها وعمه أبا طالب، فاشتدّت
المحنة عليه صلى الله عليه وسلم ، وعز النصير :
-
وجود النصير أياً كان يخفف من البلاء ويدرأ بعض العوائق .
-
قد يكون النصير منك ومبدؤه مبدؤك كخديجة رضي الله عنها .
-
وقد يكون النصير ممن يؤازرك ، قريباً أو صديقاً ، فليس كل مخالف لمبدئك عدو ،
وينبغي الاستفادة منه.
-
إذا ضاقت البلاد بك وبدعوتك فانتقل إلى مكان آخر، وادع إليها ، فليست الدعوة حكراً
على موطن محدد ولا أمة معيّنة . هذا ما فعله النبي عليه الصلاةوالسلام حين ضاقت
الأمور عليه في مكة فقصد الطائف ، علّ فيها من يؤمن بدعوته ويؤويه ويعينه على
أدائها .
-
قد يستجيب الآخرون لك لأنهم أكثر وعياً ، وأصفى قلوباً كالأوس والخزرج في المدينة ،
وقد يكونون أسوأ من قومك كأهل الطائف ، فالتجربة مطلوبة ولا يملك أحدٌ الغيب ....
-
وفي قلب العداوة واللدد قد يجد الداعية قلوباً شفافة وأفئدة طاهرة تستجيب للإيمان
كما فعل عدّاس النصراني إذ عرف نبوة الرسول الكريم وآمن به .
-
اللجوء إلى الله تعالى والاستعانة به قوة تدفع إلى الثبات وتغرس الصبر والأمل في
النفس ، وهل أعظم من الاعتماد على ركن ركين ومأوى مكين ؟
: اللهم إليك أشكو ضعف قوتي ،
وقلة حيلتي ، وهواني على الناس ، يا أرحم الراحمين
، أنت رب المستضعفين ، وأنت ربي
إلى من تكلني ؟ أإلى بعيد يتجهمني ؟ أم إلى عدو
ملكته أمري ، إن لم يكن بك
غضب علي فلا أبالي ، ولكن عافيتك هي أوسع لي ، أعوذ
بنور وجهك الذي أشرقت له
الظلمات وصلُح عليه أمر الدنيا والآخرة من أن ينزل
بي غضبك ، أو يحُلَّ علي سخطك ، لك
العتبى حتى ترضى ، ولا حول ولا قوة إلا بك
-
الدعوة الصادرة عن قلب صادق جوابها الردّ الإيجابي السريع
،
أول الرد نزول ملَك الجبال بأمر الله تعالى
يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم أن يطبق جبال مكة على المشركين إن شاء، لكنّ النبي
الرحيم بقومه الراغب بإيمانهم أبى وسأل الله لهم الهداية .
ثانيه إيمان الجن بالدعوة إنْ جانبها الإنسُ
وابتعدوا عنها ورفضوها . " وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن
يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا ، فلما قُضي ولوا غلى قومهم منذرين ....."
ثالثه تكريم الداعية الأول بالإسراء والمعراج
، ولإنْ جهل أهل الأرض مكانةَ هذا النبي العظيم وفضله إن أهل السماوات ليكرمونه
ويجلونه صلى الله عليه وسلم . والدعاة المسلمون تلاميذ الداعية الأول ، وليعاملنّهم
الله تعالى بالقبول والكرم .
2-
الأثر الإيجابي لهاتين الرحلتين على الحبيب المصطفى وعلى سير الدعوة .
-
تثبيت قلب الحبيب صلى الله عليه وسلم وإعلامُه أنه على حق ، ولا بد للحق من ثبات .
-
وأن الله تعالى ناصره ولو بعد حين .
-
اجتماع الرسول بالأنبياء صلوات الله عليهم ثبّتَ قلبه ، إنه حين التقى الكرامَ
أمثاله وسمع منهم زاد يقينه بدعوته ، فليس من رأى كمن سمع . فقد علِمَ عِلْمَ
اليقين وعاين الحياة الأخرى الدائمة بلقاء من ماتوا في الدنيا ، فكانوا عند ربهم
أحياء .
-
دلت صلاته صلى رسول الله بالأنبياء إماماً أنه أفضلهم وأن شريعته أكمل الشرائع
وأتمها ، وأن الدين عند الله الإسلام .
-
صلاته صلى الله عليه وسلم فيه قرآن وتسبيح ودعاء بالعربية ، والكثير من الأنبياء
ليسوا عرباً ، والعربية لغة أهل الجنة جميعاً ،علينا أن نحافظ عليها وننشرها بيننا
في بيوتنا وبين إخواننا المسلمين في بقاع الأرض ، فما يُفهم الدين بغيرها .
-
لقاؤه صلى الله عليه وسلم بالأنبياء ببيت المقدس دليل على سموّ مكانتها في ديننا
وأن فلسطين بلد إسلامي ينبغي الحفاظ عليه والدفاع عنه .
-
لا يخشى المسلم قول الحقيقة وإن بدت للوهلة الأولى غريبة ، وخشي أن يزداد تكذيبُ
الناس له ويكثروا من السخرية منه والتندّر به ، ولعل بعض ضعاف الإيمان يرتدّون عن
دينهم لأن إيمانهم لم يلامس قلوبهم بعدُ . وقد استنكر المشركون سفر النبي صلى الله
عليه وسلم إلى بيت المقدس وعودته في ساعات وهم يضربون أكباد الإبل إليها في شهر .
حتى وجدنا بعض ضعفاء الإيمان من المسلمين ارتدوا .
-
قويّ الإيمان يزداد إيمانه صلابة وقلبه يقيناً كما فعل الصديق رضي الله عنه إذ قال
للمشككين قبل أن يجيبهم " أوَ قد قال ؟ فلما أخبروه أن الرسول صلى الله عليه وسلم
ذكر أنه أسري به أجاب " لئن كان قالها لقد صدق " . ولما ذُكرت قصة المعراج أجاب
مطمئن القلب مرتاح النفس : " إننا لنصدقه بخبر السماء في ساعة ، أفلا نصدقه بأقل من
ذلك ؟! .
-
من أساليب التربية " التدرج " إذ أخبرهم النبي صلى الله عليه وسلم في الأيام
الأولى بالإسراء ، ثم ذكر المعراج . فقصة المعراج أشد غرابة لديهم من قصة الإسراء .
-
رأى النبي صلى الله عليه وسلم الجنة والنار رأي العين وأخبر عن أحوال أهل النار في
النار وأهل الجنة في الجنة ليعتبر الناس ، ويؤمنوا ، وقد أعذر من أنذر .
-
مكانة الصلاة في الإسلام عظيمة ، فقد فرضت على المسلمين والرسولُ في السماء ،
فالصلاة صلة بين العبد وربه ، وهي هوية المسلم ، " لا
دين لمن لا صلاة له " .
3-
الدعوة ايام الحادثتين ، والدعوة هذه الأيام ( مقارنة بينهما
) .
-
كان العرب أيام الدعوة في المرحلة المكية قبائل متنافرة يعادي بعضُها بعضاً ، ويأكل
القوي فيها الضعيف ، ونجد بلادنا الإسلامية في هذا الزمن الرديء مفككة جزّأها
العدو، فحافظنا على التجزئة وعضضنا عليها بالنواجذ .
-
وكان العرب في العهد المكي يعيشون في جاهلية جهلاء تحكمهم العادات والتقاليد
والمصلحة الآنيّة ، ونجد أنفسنا الآن نعيش بعيداً عن الإسلام تحكمنا القوانين
الغربية والشرقية ، نتبع النصارى واليهود حذو القُذّة بالقُذّة .
-
والعرب إذ ذاك كانوا يخافون الروم والفرس ، وهم تبع لهذا وذاك ، وعشنا القرن الماضي
تبعاً للاتحاد السوفيتي الكافر وللغرب الأمريكي المشرك ، فلما سقط الاتحاد
السوفياتي خضع الجميع للصلف الأمريكي واليهودي معاً .
لما تمسك المسلمون بدينهم حكموا العالم ، وحين تخلّوا عنه خضعوا لغيرهم وذلوا .
-
إن القلة المؤمنة بقيادة النبي صلى الله عليه وسلم استطاعت بإيمانها بربها ،
وثباتها على دينها والتزامها النهجَ القويم أن تأخذ مكانها تحت الشمس وأن تكون سيدة
الأمم ، ولنا بهم أسوة حسنة وقدوة صالحة ، فإن سرنا على ماساروا عليه وجاهدنا
الجهادين الأصغر والأكبر كما جاهدوا وصلنا إلى ما وصوا إليه من مجد ورفعة وسؤدد .