بعض برامج المحطات التلفزيونية والفضائية نخبوية جدا، ويجد المشاهد أحيانا وكأن ما فيها قادم من عالم آخر، تماما مثلما نبث برامج عن الذهب وأنواع فنون صياغته لأبناء مناطق فقيرة!
صحتين وعافية، أو أي اسم آخر، هو عنوان لبرامج تتكاثر في رمضان، وتتواجد دائما على بعض المحطات، لكنها في معظم أطباقها لا تعني عامة الناس. فالوجبات أطباق برجوازية أو غربية، ويتم إعدادها وتزيينها على نمط خدمة الفنادق الفاخرة، أي أنها موجهة الى السيدات المخمليات. والمفارقة ان سيدات هذه الفئة لا يطبخن في بيوتهن، لأن لديهن طباخين وطباخات! وأما عامة النساء فهن غريبات عن معظم هذه الاطباق، وحتى لو اقتربن من تفاصيلها، فإنها اطباق مكلفة، وتحتاج الى تمويل، وبخاصة اذا ما كانت ستقدم لعائلة كبيرة! وفي المحصلة، فإنها برامج قريبة من برامج عروض الازياء، او برامج السيارات الحديثة التي يصل ثمن بعضها الى ما يقارب ميزانية محافظة أو لواء.
غالبا تمارس عامة السيدات طبخا منتظما، يراوح بين الأكلات المشهورة والمألوفة في كل مجتمع، والبرامج الغذائية لا تغير شيئا. ففي الاردن مثلا، تتنقل (معالق) الناس بين المقلوبة والمنسف والكبسة والفاصوليا... وعندما يزهق الناس من الروتين يكون البديل "النواشف"، كقلاية البندورة وصحن الفول. وأحيانا تتم العودة الى التراث عبر طبخ "الفرفحينة" وغيرها. ولهذا، فإن كثيرا مما يقال ويطبخ في البرامج الغذائية خارج اهتمام أو ثقافة أو مقدرة عامة الناس.
ولعل من المفيد إعادة "تعريب" هذه البرامج لتكون مناسبة لأغلبية المشاهدين، أما الطبخ وفق "كتالوج" الفنادق الكبيرة، او وفق ثقافة غذائية برجوازية، فهو أمر أفقد هذه البرامج قيمتها، إذ يقضي مقدم البرنامج نصف ساعة وقبلها ربما اكثر من ساعة في تحضير الطبق محصلته قطعة لحمة (ستيك)، بجانبها قطعة جزر وأخرى من الكوسا، فماذا عن الأسرة التي تضم 8 أو 10 أفراد، هل يجدي هذا الامر معها؟
وذات الأمر ينطبق على البرامج النسائية الأخرى، مثل عملية تدليك الجفون وعمل رياضة لها! وحديث تشاهده النساء على التلفزيونات لكنه لا يعني المرأة العادية التي تمثل عامة المجتمع. فإذا كان البحث عن تجميل المرأة، فماذا يقدم للأمهات اللواتي يبدأن اليوم من السادسة صباحا مع أصوات الاطفال، ومواعيد المدارس، والمسح والجلي والطبخ والغسيل، ويبقين يدرن طوال النهار حتى ترتمي الواحدة منهن في آخر الليل من التعب! واذا أرادت المغامرة في التجميل، فإنها "تدهن" يديها ووجها بزيت زيتون او علبة نيفيا. أما المرأة التي تجد وقتا لإجراء مساج لجفون العيون، فلديها خادمات وأموال ووقت، وربما طفل أو طفلان فقط. وتكلفة الماكياج والكريمات وأندية الرياضة أكبر من دخل أسرة تعتقد التلفزيونات انها تقدم لها برامج ترفيهية.
القيمة الأساسية لأي عمل إعلامي، أيا كان نوعه، قدرته على الوصول الى اكثرية المشاهدين او القراء، وان يقدم اضافة في المعلومة او الخدمة الى المشاهد او المستمع او القارئ، أما عملية ترجمة البرامج في مضمونها، وتقديمها لمجتمعاتنا العربية وكأنها خدمة، فهذا أمر غير مجد. وما ينفق على هذه البرامج او الفقرات اقل من مردودها؛ فحين يقال فقرة عن المرأة يفترض أن تكون متنوعة، تخدم كل قطاعات المرأة. وحين يقال برنامج عن الطبق اليومي، فيفترض بكل تلفزيون ان يعلم من هي الفئة المستهدفة والمشاهدة، الا اذا كان المطلوب ملء الفراغ، وتكرار وتقليد البرامج.
ما سبق أحد جوانب قضية المرأة التي اصبحت نوعا من الاستثمار. وحتى في عالم السياسة، فإن هناك عشرين امرأة مثلا في بلادنا يجري (إنصافهن)، فهن الوزراء والأعيان واعضاء الهيئات، أما بقية النساء اللواتي يجري الحديث عن حقوقهن فلا علاقة لهن بهذه النخبة من سيدات منطقة في العاصمة. وبعض من يترافعن باسم المرأة ليس لديهن أي معاناة ولا إدراك لمشاكل المرأة، لكنه الإكثار من الندوات والحوارات والعلاقات الذي يأتي بسيدة ما وزيرة او عينا او عضوة في هيئة، أما سيدات القرى والبوادي والمدن البعيدة فهن للتصوير والمعاناة. وبعض النساء يبقين سنوات يعملن في مدرسة تبعد عن بيوتهن عشرات الكيلومترات، ويعانين مع اطفالهن بانتظار واسطة أو تغيير الأسس ليحصلن على حقهن في النقل!
انها النخبوية من السياسة الى طبق اليوم ورياضة المرأة وحتى حقوقها.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة