يقدم التقرير الأخير للمنظمة العربية لحقوق الإنسان رصداً وبياناً سلبياً ومقلقاً لحالة السجون والمعتقلات والمستشفيات الحكومية في البلاد، وإحصائية بأعداد وظروف المعتقلين الأردنيين في الخارج. أود الوقوف مع هذا التقرير في قضيتين رئيستين.

 

القضية الأولى؛ هي قضية مطروحة بقوة في السنوات الأخيرة، وقد أكدت التقارير الدولية المعنية بمسائل حقوق الإنسان على وجود مشكلات كبيرة في التعامل مع السجناء والمعتقلين، ورفد المركز الوطني لحقوق الإنسان ذلك بتقاريره، إذ رصد بدوره عدم الالتزام بمعايير حقوق الإنسان في مراكز الإصلاح والتأهيل.
لكن يبدو أن الجهات الرسمية لا تعتبر، ولا تسعى إلى التغيير والتحسين. مع أنّ الحاجة تبدو ماسة لإعادة النظر جذرياً بأوضاع "مراكز الإصلاح والتأهيل"، حتى تكتسب هذه المراكز مصداقية باسمها، ولا تكون محاضن لتعزيز النزعة الإجرامية والعدوانية، كما هو واقع الحال اليوم للأسف الشديد.

 

المفارقة التي يلفت لها تقرير المنظمة العربية تكمن في حالة السجين "المتدين" الذي أقنعه سجين "متخصص بالسرقات" بمشاركته في عمليات السرقة، فأصبح الأول محترفاً بالسرقة بعد أن كان أحد افراد الجماعات الأصولية، وهي حالة معاكسة تماماً للفترات السابقة حين كان سجناء الجماعات الأصولية، بالتحديد السلفية الجهادية، يقومون بتجنيد وإقناع سجناء القضايا "الجنائية" بالتحول نحو التشدد الديني والسياسي، ما يعني أننا أمام حالة من "تبادل الخبرات" والتحولات في سياق عالم خارج على القانون.

 

طبيعي ألاّ نجد هنالك دورا حقيقيا لمراكز الإصلاح والتأهيل في القيام بمهماتها وواجباتها بإعادة تأهيل السجناء للحياة العامة، فلا يوجد أي اهتمام يذكر، في هذا المجال، لعلماء الاجتماع والنفس ولا حتى رجال الدين المحترفين القادرين في سبر أغوار النزلاء والتأثير بهم، كما يحدث في سجون العديد من دول العالم، فما يحصل هو -على النقيض تماماً- اكتساب خبرات جديدة في عالم الإجرام والخروج على القانون، بخاصة أنّ مرحلة "ما بعد السجن" لا تخضع بدورها لعناية رسمية ولا لمراكز سلوكية تساهم في إدماج السجناء الخارجين بالمجتمع وتعيد تأهيلهم في الحياة العامة.

 

يشير التقرير إلى صور من معاناة السجناء اليومية تتمثل بعدم وجود مكيفات ووجود مشكلة كبيرة في التواصل مع خارج السجن، وارتفاع أسعار بعض السلع داخل السجن. كما أنّ هنالك مشكلات تعاني منها مراكز الأحداث كالتهوية وظروف غير مناسبة، فما يحصل عملياً هو -على النقيض من ذلك- تجنيد هؤلاء الفتيان الصغار في عالم الإجرام وإكسابهم خبرة جديدة في هذا المجال!
في المحصلة؛ يبدو أنّ كل النقاش والمطالبات وتقارير مراكز حقوق الإنسان تذهب أدراج الرياح ولا تلقي أي إذن صاغية لدى الجهات الرسمية!

 

القضية الثانية؛ التي يشير إليها تقرير المنظمة العربية لحقوق الإنسان، هي قضية الأسرى الأردنيين في الخارج. في التقرير؛ هنالك قرابة ستين أسيراً ومفقوداً أردنياً في السجون الإسرائيلية، وستة وعشرون في العراق، واثنان في الكويت، وثمانية في السجون الأميركية، وما يزيد على مائتين وخمسين معتقلاً في سورية، من بينهم عدد من النساء.
الملاحظة الأولى التي يسجلها التقرير هي عدم وجود اهتمام جدي لدى وزارة الخارجية بمتابعة شؤون الأسرى، في أغلب الأحيان، بل ما هو أسوأ من ذلك أنّ الوزارة لا تبدي، في بعض الأحيان، استعداداً لقبول تسلم أسرى ومعتقلين أردنيين من بعض الدول.

 

عدد الأسرى الأردنيين كبير ويتطلب اهتماماً خاصاً من وزارة الخارجية أكبر بكثير مما نراه حالياً، فهؤلاء مواطنون أردنيون لهم حقوق على بلادهم، والكثير منهم بمثابة حالات إنسانية، يمضون سنوات في الاعتقال والأسر في الخارج من دون محاكمة قانونية أو توافر شروط إنسانية دنيا.
بمناسبة الحديث عن المعتقلين والأسرى؛ لم يشر تقرير المنظمة إلى قصة الشاب الأردني مصطفي عقاب أبو رمان، وهي قصة من طراز إنساني مؤلم، فهذا الشاب خرج إلى العراق، وفقاً لرواية أهله للدراسة، ولا يزال في مقتبل العمر، وتم اعتقاله هناك وإلى الآن لا يزال في السجون الكردية، ولم تجر أية محاولة جادة من الحكومة للإفراج عنه، على الرغم من العلاقة المتميزة التي تربط الدولة بالقوى الكردية المختلفة، فهذا الشاب الذي يمثل يومياً مصدر معاناة وألم وقلق لأهله ليس على أجندة الحكومة، ولا من أولوياتها، على الرغم من وجود استعداد كردي لتسليمه للحكومة هنا.

 

لو فرضنا جدلاً صحة الرواية الكردية أن هذا الشاب ذهب مع المتطوعين العرب، فهو لم يتورط بقتل أو أعمال إجرامية، ولم يحاكم طوال السنوات السابقة، فلماذا يُسكت على بقائه في السجون؟ مع العلم أن والده يطوف على الدوائر الرسمية منذ سنوات، ويطلب أن تتدخل الحكومة لعودة الشاب حتى لو تمت مساءلته هنا، فلا يبقى تحت رحمة الظروف المتوترة هناك.

 

في الآونة الأخيرة أبدت لجنة الصداقة الأردنية الكردية، برئاسة الزميل حمادة فراعنة استعداداً للتدخل، وأهله ينتظرون النتيجة. وهذا، بالمناسبة، ما يفتح المجال للحديث عن دور الدبلوماسية الشعبية في قضية الأسرى واستثمار العلاقات الكبيرة بين بعض القوى السياسية المحلية ودول الجوار، بخاصة سورية، للضغط والتوسط لإطلاق سراح الأسرى والمعتقلين الأردنيين لدى دمشق، فلا تذهب أطنان المديح الكبير من المعارضين هنا لدمشق مجاناً وتكون هنالك مخرجات وطنية لها في هذه القضية، بخاصة أن أعداد الأسرى الأردنيين في سورية تتجاوز أضعافهم في إسرائيل! فهل ستبقى القوى المعارضة تغمض عيونها عن هذا الدور الوطني أم أنّ هنالك حسابات أخرى لا ندركها؟!

 

الأسرى والمعتقلون الأردنيون في الخارج قضية إنسانية ابتداءً، وهي قضية سياسية وطنية بامتياز، لا تقل أهميتها عن الشعارات الكبرى التي نسمعها صباح مساء.

 

بقلم: محمد ابو رمان.


المراجع

ammonnews.net

التصانيف

صحافة  تصنيف محمد ابو رمان   الآداب