كل ما شهدته الساحة الاميركية مؤخرا من اجتماعات تقويم للاستراتيجية الاميركية في العراق، او خطاب مباشر وقاس تجاه الحكومة العراقية بأن للصبر حدودا، والتصريحات التي تراجع عنها السياسي الاميركي الرسمي البيرتو فيرنانديز، واتهم فيها السياسة الاميركية في العراق بالعجرفة؛ كل هذا يشير الى امر واحد مهم، وهو ان اميركا تبحث عن خيار او خيارات جديدة لحل الازمة العراقية، وايجاد مخرج لها وللعراقيين على حد سواء. وربما يندرج في هذا تصعيد المقاومة التي حصدت عملياتها اكثر من 100 من الجنود الاميركيين في شهر تشرين الاول الحالي وحده.
ويمكن ان نلخص ما يجري في مجموعة نقاط:
1- ان الادارة الاميركية تعمل وفق منظومة من المصالح، وان المحرك الاول لسياساتها السابقة والقادمة هي المصلحة الاميركية، وتحديدا مصلحة الادارة الاميركية التي تعاني من مأزق داخلي، وبخاصة في مراحل الانتخابات القادمة. واهم المصالح الاميركية في هذه المرحلة:
أ- ان لا تظهر على شكل دولة مهزومة؛ والانسحاب بكل اشكاله لا يفسر الا على انه هزيمة. لكن اميركا قد تفكر بالانسحاب، مع إبقاء قواعد عسكرية لها في اماكن آمنة. لكن اقامة القواعد تفضلها الادارة الاميركية من خلال اتفاق مع النظام السياسي القادم في العراق او القوى المقاومة المؤثرة.
ب- ان مصلحة اميركا ليست مع الشكل الحالي للحكم في العراق، الذي اثبت في كل مراحله ضعفا وعجزا حتى عن حماية نفسه؛ واميركا لا تريد ايضا ان يكون البديل تنظيم القاعدة او المجموعات الموالية له، وهذا امر تتوافق عليه رؤية اميركا مع كثير من القوى العراقية الهامة، سواء حزب البعث او قوى اجتماعية عشائرية من السنة والشيعة. وحين نقول حزب البعث فإننا لا نتحدث عن تاريخ، بل عن حركة مقاومة مؤثرة، وعن قوة سياسية منظمة ذات برنامج واتصالات ومفاوضات حتى مع الادارة الاميركية.
ج- كذلك، تتمثل المصلحة الاميركية في ايجاد حل حقيقي للملف العراقي قبل الانتخابات الرئاسية القادمة، وهو حل ليس كالذي تم في افغانستان.
د- وفي باب المصلحة الاميركية هناك النفط الذي تريده الولايات المتحدة كغيره من نفط المنطقة، غير خاضع للمواقف السياسية او القطع والمنع والتأميم، الحل هنا شركات أميركية وغربية تديره باتفاقات مع دولة عراقية قوية.
هـ- وتبدو المصلحة الاميركية في ان لا تضع قواتها وادارتها للملف النووي الايراني تحت رحمة الظرف العراقي، لهذا تشعر أميركا ان استمرار ازمتها في العراق يعيقها عن اتخاذ خطوات تراها ضرورية في هذا الشأن، سواء أكانت خطوات سياسية او عسكرية.
2- وخارج منظومة المصالح، هناك قناعة الادارة الاميركية بأن نظام الحكم القائم وفق معادلات طائفية لم يستطع حل مشكلة العراق، وان الانحياز الاميركي لهذه القوى شكل اضافة نوعية للنفوذ الايراني السياسي والعسكري.
3- أدركت اميركا انها اخطأت في هدم الدولة العراقية، وان النظام العراقي السابق لم يكن عدوا عقائديا لأميركا، بل أصل العداء هو الحصار والاستهداف الاميركي. كما تعلم الولايات المتحدة ان العراق ليس دولة تسعى إلى امتلاك اسلحة دمار شامل. وربما تكون المشكلة الاساسية ان نظام صدام حسين كان يرفض اقامة علاقات مع اسرائيل، لكنه لم يعطل الموقف العربي الموحد الذي وافق على المبادرة العربية في قمة بيروت. وباختصار، كان نظاما لا يريد فتح أبوابه لإسرائيل، لكنه لم يقاطع العرب الذين اقاموا علاقات ووقعوا معها معاهدات.
والخلاصة ان اميركا تريد حلا جذريا للمشكلة العراقية يقوم على الأسس التالية:
- سلب ايران ورقة النفوذ في العراق، والتخلص من حكم عراقي لم يخدم اميركا ولا مصالحها.
- الخروج من العراق، لكن ليس على شكل هزيمة او هروب، وانما من خلال اتفاق مع النظام العراقي القوي القادم، بحيث يبقى التمثيل الأميركي العسكري عبر قواعد في اماكن آمنة، قد تكون مناطق الاكراد.
- النفط مصلحة استراتيجية، والحل اتفاق سياسي يعطي وجودا وحضورا للشركات الاميركية.
- التخلص من القاعدة وتنظيمها ووجودها، ليس عبر قوات عراقية ضعيفة كما هو الان، بل عبر تحويل ذاك التنظيم الى جسم غريب ترفضه العشائر والنظام القادم.
- التفاهم مع قوى المقاومة المؤثرة، من القوى القومية والاسلامية العراقية، التي ارسلت اشارات واضحة بموافقتها على التفاوض.
ولهذا، فإن النظام القادم قد يكون محل تفاوض غير معلن مع قوى مقاومة مؤثرة ترفض القاعدة، وغير دينية بالمفهوم الاصولي، وترفض النفوذ الايراني. وقد لا يختلف النظام القادم عن النظام السابق، وقد يكون اقطاب من الأول جزءا من الحل، بعد ان تحولت ميليشيات مساندة الاحتلال في بدايته الى عبء عليه.
المراجع
جريدة الغد
التصانيف
صحافة جريدة الغد سميح المعايطة