ليست المرة الاولى ولن تكون الاخيرة التي يطرح فيها بعض السياسيين، اصحاب المواقع السابقة، حكاية الظلم السياسي للفلسطينيين من حملة الجنسية الاردنية، فقد سبق لعدنان ابو عودة نفسه ان تحدث بهذا وكذلك اخرون، وكل هؤلاء من جماعة الدولة، وحملة الالقاب الرفيعة والامتيازات.
الحكاية في جوهرها ليست حرصا على إنصاف الفلسطينيين، لكنها جزء من ظاهرة لدى بعض النخب، من اصول اردنية او فلسطينية، تحاول البحث لها عن دور يعوض مواقعها المفقودة، او يلفت الانتباه اليها، واحيانا تعتقد ان المشاغبة والحديث في المحظور يدفع اصحاب القرار لمحاولة الاسترضاء، واحيانا يمارس بعضهم حديثا موجها للغرب واميركا ويقدمون انفسهم ممثلين عن "الفلسطينيين" في الاردن، وكل هذا لا علاقة له بالحرص على الناس، او الغيرة على القضية الفلسطينية، تماما مثلما تجد مسؤولا رفيعا سابقا من اصول شرق اردنية تفتح شهيته للنقد والمعارضة "وشتم الدولة" عندما يفقد الامل بالعودة للموقع.
عدنان ابو عودة ليس ابن التنظيمات الفلسطينية المقاتلة او ثائرا مارست عليه الدولة ضغوطا، بل هو رجل الدولة وضابط المخابرات المهم والوزير في الحكومة العسكرية عام 1970، والمسؤول في كل المراحل العرفية والديمقراطية، وبقي صامتا إلى مرحلة متأخرة، فكتب كتابا بالانجليزية ليخاطب الاميركيين، ونشط في تنصيب نفسه ممثلا لـ"الفلسطينيين"، وهو واحد من نخب اردنية وفلسطينية كانت من حملة الالقاب والدفاع عن كل السياسات حتى في اشد مراحل الصراع السياسي والعسكري بين الاردن ومنظمة التحرير.
كلا النوعين، من الاردنيين والفلسطينيين، لا يستطيع الإدعاء بتمثيل الناس. ولو جرب اي منهم، ومنهم ابو عودة، ان يخوض الانتخابات في اي مخيم فلسطيني فسيجد الجواب.
طروحات البعض من اصحاب المواقع السابقة تظلم "الفلسطينيين" في الاردن، الذين لا يريدون الا وطنهم وحقوقهم. فمن يغار على فلسطين عليه ان يطالب بالدولة المستقلة كاملة السيادة، وأن يطالب بحق العودة للاجئين والنازحين.
ولو فرضنا اننا عدلنا قانون الانتخاب واعطي لابناء فلسطين من حملة جواز السفر الاردني 80% من مقاعد المجلس او 70% من الحكومة ومجلس الاعيان واتحاد كرة القدم واتحاد الجمعبات الخيرية ومجالس الاباء والامهات واتحادات الطلبة، فهل هذا هو الحق الفلسطيني الضائع، هل هذا هو برنامج "الفلسطينيين" وطموحهم؟
لا تظلموا "الفلسطينيين" وتجعلوا حدود قضيتهم بحدود مصالحكم الشخصية او مشكلتكم مع الدولة، تماما مثلما يجب ان لا نظلم الاردنيين ونجعل قضيتهم ان يكون من الشمال وزير ومن الجنوب وزير، بينما مشكلات الناس الحياتية دون حلول.
وعلى النخب من الاردنيين المتقاعدين الذين اكتشفوا هويتهم "الفلسطينية" بعد التقاعد ان يحترموا قداسة القضايا الكبرى. فاذا كانت مشكلة اهل مخيم البقعة ان يكون منهم وزير فهذه سهلة جدا قياسا الى حقوق ضائعة لدى كيان الاحتلال من ارض ومقدسات وحق عودة. والحديث للغرب باسم "فلسطينيي الاردن" وبأن مشكلتهم في قانون الانتخابات الاردني هو تفتيت للقضية الفلسطينية.
احد الاصدقاء من المسؤولين الكبار "من اصول فلسطينية"، رحمه الله، كان يقول: "نحن نعاني من مشكلتين: الاولى مع ابناء فلسطين الذين يرون فينا عملاء للدولة، ومع الشرق اردنيين الذين يرون فينا متطفلين على المواقع والالقاب". وهذا يلخص جزءا من الظاهرة؛ فهذه النخب تكون مختبئة بالدولة والسيارات الرسمية والالقاب، وحين تعود الى بيتها تحاول كسب ود الناس بمثل هذه القضايا، لكنها تظلم الناس وتصغر القضايا الكبرى.
لا نحب ان نتحدث بلغة الاصول والمنابت لأن مشكلاتنا جميعها مع كيان الاحتلال. فكل حق ضائع ومنقوص سلبه الصهاينة، ومشكلة الفلسطيني كما هي مشكلة الاردني مع اسرائيل التي اخذت حق الفلسطيني وتهدد بسياساتها امن الاردن واهله. وكما ان من حق الفلسطيني ان يجد العون في المطالبة بحقه فان الاردني لديه مخاوف مشروعة على هوية دولته، ومن افكار الوطن البديل والتوطين، لكن اصل المشكلة اسرائيلية، وحلولها ليست على حساب بعضنا البعض، بل باتجاه الحقوق الضائعة لدى العدو المشترك.
ارحموا الاردنيين والفلسطينيين. ولا تشغلوا اوقات فراغكم بهدر قضايا كبرى او فتح ابواب الفتن. فحقوق الشعب الفلسطيني ليست ضائعة بسبب قانون الانتخابات او تركيبة الحكومة الاردنية، واذا كان خروج هذه النخب من مواقعها يحولها الى معارضة ومناضلين فهذه قضية النخب والشلل.
يبدو ان سحب "السيارة الحكومية" يحول البعض الى معارض اردني او مناضل فلسطيني!

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   سميح المعايطة