كم أساء الفساد للأردنيين في السابق وهو يستولي على جزء مهم من حقوقهم، وبعض من مقدرات بلدهم، وراح يشعرهم بالغبن، والتمييز، وبعدم جدوى المؤسسات الدستورية، والقانون، وها هو ينتصب في هذه المرحلة الدقيقة كي يؤثر في المزاج الشعبي، وكاد يحول مصير الأردنيين إلى العوبة بيد بعض القوى الطامحة التي استندت إلى حقائقه الخطيرة في المجتمع لتحمل الحراك الشعبي -الذي اندفع لأسباب معيشية بحت- سلسلة من مطالب التغييرات السياسية باسم الإصلاح، والتي تؤدي في الصميم إلى انتقال التناحر بين الأقلية والأغلبية المتشكلة على أساس عرقي في البنية الاجتماعية الأردنية، وهم في سعيهم الحثيث نحو تلك الخطوة تجاوزوا حقيقة الأوضاع في الأردن، وأهمية الحفاظ على المستقبل الآمن، وقد تمكنوا من حرف برنامج الإصلاح الحقيقي إلى مطالب سياسية لم يكن الشارع يهدف إليها، غير انه جذبته مطالبات اجتثاث الفساد، ووقف عمله في الحياة العامة الأردنية، والتصدي للآليات التي سمحت بتطوره وانتقاله إلى مؤسسات عامة، وبأشكال شتى مما بدا وكأنه يؤيدها.
وهذا الفساد الجاثم فوق صدورنا لردح من الزمن أصبحت كلفته السياسية عالية، وقد جاءت الظروف المناسبة لنعيد تصويب أوضاعنا السياسية على وحي من حراك الشارع النقي، وكي ننزع هذه الذريعة من أيدي الجهات التي تتخذها مسببا لإجراء جراحة واسعة للآلية السياسية القائمة، والتي لا تخدم في حقيقتها سوى التوجهات الإسرائيلية والأمريكية للوصول إلى التسويات الإقليمية المرادة في المنطقة في نهاية المطاف.
وليكن الشعار الرسمي القادم لا مكان لفاسد في الإدارة العامة في الأردن، والتي يجب إعادة تنظيفها ممن استغلوا مواقع المسؤولية والنفوذ للمصالح الخاصة، ويمكن إجراء مسح سري لأوضاع المسؤولين السابقين، والحاليين ومقاربة أحوالهم المالية الراهنة بمستوى دخولهم المترتبة على الوظيفية العامة، وتتبع الآلية التي تحولوا بها إلى أصحاب الملايين، والكشف عن مصادر ثرواتهم، والبيوت التي اشتروها، والشركات التي ملكوها، وهل حدثت تنفيعات في إطار العائلة على خلفية المنصب العام، وكذلك الكشف عن كل الصفقات التي أجروها اعتمادا على صلاحياتهم وكانت تترتب عليها منافع شخصية. وسيفرح الأردنيون كثيرا بوقوع الحيتان، والشخصيات التي استولت على المال العام تحت طائلة القانون، وسيستعيدون ثقتهم بالمؤسسات العامة، ويتجدد شعورهم الوطني، ولن تكون هنالك جهة قادرة على التأثير على ولائهم، وتحويلهم إلى مادة تستخدم في المشاريع المشبوهة، وربما تتوسع الحملة لتطال كبار الفسدة في خط المعارضة، ومؤسسات المجتمع المدني، ومن يتلقون رواتب تدفع من الخارج شهريا
وهي حملة ستريح الشعب من حالة التضليل الإعلامي التي يعيشها اليوم، وقد تعطينا فرصة كبيرة للتغيير على إيقاع أكثر هدوءا، ويتلمس الأولويات، والمطالب الأكثر إلحاحا.
المراجع
جريدة الدستور
التصانيف
صحافة رشاد أبو داوود جريدة الدستور