قبل سنوات، أعلنت امانة عمان بحماس عن مشروع لتأهيل مجمع رغدان. وقد قامت بالمشروع بالتعاون مع وكالة الإنماء اليابانية. وسمع الناس من مسؤولي الامانة شرحاً وافياً عن الاثار الايجابية للمشروع، من رفع لمستوى النقل العام، إلى رفع المستوى السياحي والبيئي والاستثمارات.
وبناء على هذا المشروع، تم نقل المجمع الى آخر مؤقت في المحطة، كما تم نقل الاكشاك الى اماكن مؤقتة، وتأثر تجار المنطقة الذين انتظروا انتهاء المشروع حتى تعود الامور الى نصابها، فيُعوّض من تأثروا من هذا الوضع المؤقت بعض ما فقدوه.
وعندما انتهى المشروع، الذي قالت فيه الامانة الشعر والمديح، جاءت لجنة لتقول في تقرير ان المجمع الجديد لا يصلح، وان هنك عوائق حقيقية امام تشغيله. وكان الاقتراح ان يتم استملاك ارض المجمع المؤقت ومساحات اضافية واقامة مجمع جديد في موقع المجمع المؤقت؛ واستعمال موقع مجمع رغدان لغايات اخرى، كموقف عام، وقضايا سياحية.
وفي التقرير المذكور معوقات رأتها اللجنة لعدم استعمال الموقع الجديد، لكن السؤال: كيف نكتشف هذه المعوقات الان بعد ان انفقنا الملايين؟ واين هي الدراسات العلمية، ولجان الاشراف والمتابعة؟! فهل من المعقول ان تكتشف الامانة بعد انتهاء المشروع ان المجمع الجديد لا يمكنه استيعاب جميع وسائط النقل العام العاملة حاليا؟ ولماذا نكتشف الان فقط ان تشغيل المجمع الجديد سيتعارض مع المشاريع المستقبلية للامانة، مثل تنفيذ نفق التاج وغيره؛ او أن هناك اثارا سلبية امنية في حال تشغيل المجمع، بسبب وجود مشردين واصحاب سوابق؟ وهل ستغيب كل هذه الاثار في المجمع المؤقت الذي ستحوله الامانة بعد سنوات الى دائم؟!
أسئلة تكشف عن اساليب تهدر المال العام. فالاصل ان تكون كل العوامل السابقة متضمنة في الدراسات التي قامت عليها فكرة تأهيل مجمع رغدان، لا ان نكتشف اليوم ان المشروع يتعارض مع المشاريع المستقبلية، او أنه لا يستوعب حركة النقل العام! ومن المسؤول عن اقامة مشروع بملايين الدنانير ثم تحويله الى غير هدفه، وتكليف موازنة الامانة ملايين اخرى لانشاء مجمع جديد؟ فهل هذا ضعف في الدراسات، ام ان هناك مصالح، او ان تغيّر امين عمان يغيّر الدراسات ويفرض توجهات جديدة؟ واذا كان الامر كذلك، فمن يضمن في حال تغير الامين الحالي ان لا يأتي القادم بفكرة جديدة؟!
ومن الفئات المتضررة من تقلب الافكار والاراء تجار المنطقة، من اصحاب المحلات التجارية الذين تضررت تجارتهم واعمالهم، وانتظروا سنوات حتى يعود المجمع الى مكانه الطبيعي ليعوضوا ما فقدوه خلال سنوات العمل في المجمع. وهؤلاء يُفترض ان لا يتحملوا مسؤولية تقلب امزجة وقرارات قيادات الامانة من السابقين واللاحقين؛ فمصالح التجار وارزاقهم مهمة جدا، وهي جزء من محددات القرارات الادارية لاي جهة، والامر ليس جزرا منعزلة او مفصولة. وكل مسؤول يتعامل وفق اوراق تتغير بحسب المصالح وزوايا النظر، لكن هناك محددات لا تتغير، منها مصالح هؤلاء الممواطنين. هذا اضافة الى المال العام الذي تم انفاقه لبناء مجمع جديد، ثم اكتشفنا بعد ان انتهى انه لا يصلح، وأننا سننفق المزيد من الملايين لبناء مجمع آخر، واستملاك ارض جديدة!
الامين او الوزير او اي مسؤول ليس حاكما مطلقا، بل هو ملزم بعدم ايقاع الضرر بمصالح الناس ومال الدولة الذي يدفعه الناس. وليس المواطن هو من يدفع خطأ المشروع السابق، اذا كان خاطئا او تقلب وفق اراء المسؤولين، والا كان دور المسؤول سلبيا ويلحق الاذى، بينما الاصل ان يخدم ويرفع مستوى المنافع للدولة والمواطن على حد سواء.

المراجع

جريدة الغد

التصانيف

صحافة  جريدة الغد   سميح المعايطة